من المؤكد أنك تعرضت مرات عديدة لتقييد منشوراتك وكتاباتك على شبكات التواصل الاجتماعى بخاصة «فيسبوك» لمنع وصولها إلى متابعيك وأصدقائك، إذا عبرت عن دعمك لحقوق الشعب الفلسطينى أو نشرت محتوى عن جرائم الكيان الصهيونى فى غزة أو الضفة.. اضطر هنا إلى أن أكتب بحروف مقطعة وهو ما نفعله عادة خوفا من المنع والتضييق، الذى تقوم به إدارات شبكات التواصل الاجتماعى وبخاصة «ميتا» «مالكة» «فيسبوك» و«انستجرام» تجاه أى نقد أو حتى مجرد ذكر لجرائم الكيان ضد الفلسطينيين!، للأسف سوف يظل صوتنا مخنوقا ما دمنا نحن ـ العرب والمسلمين بل وأبناء العالم النامى بشكل عام، عالة على شبكات التواصل الاجتماعى الغربية.
المنع والتضييق على منشوراتنا اذا تناولت الحق الفلسطينى أمر ثابت وثقته بحوث وتقارير عديدة وظهر ذلك جليا خلال الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أغلقت شركة ميتا الكثير من الحسابات على منصتى «فيسبوك» و«إنستجرام»، وقيدت منشورات عدد من المواقع الإخبارية الفلسطينية. وحجبت المنشورات التى تتضمن هاشتاج طوفان الأقصى. بل اعترفت «ميتا» بأنها حجبت وأزالت 795 ألف منشور بدعوى انتهاك سياسة المنصة. وأغلقت حسابات مؤيدة للفلسطينيين على منصة إنستجرام.
كما حجب تيليجرام الوصول إلى قنوات فصائل المقاومة الفلسطينية وحذف يوتيوب مقاطع فيديو مؤيدة للفلسطينيين، من أشهرها تلك التى بثها صانع المحتوى أبو فلة، صاحب أحد أشهر القنوات العربية على يوتيوب، والتى يتابعها نحو35 مليون مشترك.
وتستخدم هذه الشبكات معايير مزدوجة ففى الوقت الذى حجبت وقيدت فيه منصة فيسبوك المنشورات الداعمة للفلسطينيين، نجد أنها دعمت انتشار هاشتاج «السيوف الحديدية»، وهو الاسم الذى أطلقه الكيان على حربه على غزة، على الرغم من أن الكثير من منشوراته تضمنت ازدراء وعنصرية ضد الفلسطينيين. والأكثر من ذلك ان المنصة سمحت بنشر سلسلة إعلانات تدعو إلى قتل الفلسطينيين، كانت منظمات حقوقية قد بعثت بها لفيسبوك لاختبار معايير مراقبة المحتوى بالمنصة بحسب ما نشرته صحيفة إنترسبت الأمريكية، وذكرت الصحيفة أن الإعلانات، احتوت على انتهاكات صارخة لسياسات لشركة ميتا، حيث تضمن بعضها منشورات تدعو لـمحرقة للفلسطينيين والقضاء على النساء والأطفال وكبار السن فى غزة.!!
هذا الحجب والتقييد ليس مرتبطًا بعملية طوفان الأقصى، وإنما اتبع قبل ذلك فى قضايا أخرى مرتبطة بالضفة الغربية والاستيطان الإسرائيلى مثلما حدث فى مايو 2021، عقب قرار محكمة الكيان بإجلاء عائلات فلسطينية من منازلها فى حى الشيخ جراح بالقدس، حيث حذف «فيسبوك» و«إنستجرام» مشاركات تحمل وسم «#SaveSheikhJarrah»، أنقذوا الشيخ جراح، لدعم العائلات الفلسطينية المعرضة لخطر الطرد.
ولكن نجت بعض منصات مقاطع الفيديو القصيرة من هذا التحيز ضد الفلسطينيين ومنها تطبيق تيك توك المملوك للصين وربما لذلك تعرضت الشركة المالكة لهذا التطبيق لضغوط أمريكية شديدة لحظره فى الولايات المتحدة أو بيع أصوله لشركات أمريكية بهدف فرض رقابة حكومية أمريكية على المحتوى الفلسطينى الذى يتم نشره عبر التطبيق.
فقد طلبت وزارة العدل الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية، من محكمة استئناف اتحادية رفض طعون قضائية على قانون يلزم الشركة المالكة للتطبيق، بيع أصوله أو مواجهة الحظر، بزعم أن خضوع تطبيق «تيك توك» الذى يستخدمه 170 مليون أمريكى، للملكية الصينية يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومى بسبب قدرته على الوصول إلى بيانات شخصية واسعة للأمريكيين. بينما نفت تيك توك مرارا أنها تشارك بيانات المستخدمين الأمريكيين مع الصين .
قد يقول قائل إنه برغم هذا الحجب فقد تمكنت الرسالة الفلسطينية من الوصل إلى العالم؟ والحقيقة أن الفلسطينيين دفعوا أثمانا باهظة من دمائهم واعمارهم طوال تسعة أشهر من التدمير الممنهج والإبادة الجماعية، حتى تصل هذه الرسالة، فضلا عن أنها وصلت عبر طرق بعيدة عن وسائل الاتصال الجماهيرية من صحافة وإذاعة وتليفزيون التى تخضع للنفوذ الصيهونى، ومع ذلك تنبهت الآلة الإعلامية الصهيونية لهذا الاختراق وظهرت فى الضغوط على «تيك توك»، ومن ثم فإن هذا الاختراق قد يتم احتواؤه مستقبلا طالما اخترنا البقاء فى مقاعد المتفرجين والمتصفحين لتلك الوسائل.
إلى متى نظل نحن ـ العرب والمسلمين غير مؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي؟ ومتى ننتقل من مقاعد المستهلكين إلى صفوف المنتجين؟.
لمزيد من مقالات د. محمد يونس رابط دائم: