فى ضوء تدقيق الإدارة السويسرية فى إصدار أو تعميم قرارات بعينها، ومن بينها منح عطلات رسمية فى كل أنحاء البلاد، تمر اليوم ثلاثون عامًا فقط على موافقة السويسريين بغالبية غير مسبوقة على منح العاملين إجازة رسمية مدفوعة الأجر فى الأول من أغسطس، للاحتفال باليوم الوطنى للاتحاد السويسرى فى الإدارات الحكومية وكذلك فى القطاع الخاص، الذى يحصل موظفوه على حافز إضافى فى حال العمل فى ذلك اليوم.
وهكذا حتى سبتمبر 1993، لم يكن من حق الكانتونات الستة والعشرين الحصول على إجازة وطنية عامة موحدة، وإنما هو قرار يخص كل كانتون، حيث لجأ ناشطون سويسريون إلى المطالبة بإجراء استفتاء أكثر من مرة لتوحيد يوم الاحتفال بالعيد الوطنى واعتباره إجازة رسمية فى كل أنحاء البلاد، طبقًا لقواعد الديمقراطية الحرة التى تستوجب موافقة الأغلبية على القرارات التى تخص تسيير الإدارة والحكم.
وكان الأمر قد تكرر طرحه فى استفتاءات عدة منذ عام 1977، ولكنه لم يحظ بقبول الغالبية، حتى جاء عام 1993 وربما مع دعوات الفخر بكل ما هو وطنى عقب هزات عدة أصابت العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتى عام 1989، وافق السويسريون أخيرًا على اعتبار الأول من أغسطس إجازة رسمية وطنية احتفالا بذكرى مولد الاتحاد.
وبلغت نسبة الموافقة 83.8%، وهو ما يعد رقمًا قياسيًا فى تاريخ الاستفتاءات السويسرية من حيث اتفاق الناخبين على موضوع بعينه.
وكانت أكثر المقاطعات معارضة من القطاع الناطق بالألمانية، وهي: أبنزيل وأوبفالدن، التى لم تتجاوز نسب الموافقة بهما الـ 70%، فى الوقت الذى رحبت فيه الكانتونات الناطقة بالإيطالية ومنها تيسينو، التى تجاوزت نسبة الموافقة بها الـ 90%. وهو ما يعكس اختلافات التعددية الثقافية لمواطنى الاتحاد السويسرى الذى يعترف بأربع لغات رسمية: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانشية أو لغة أهالى الجبال، ويتعلم التلميذ السويسرى لغتين منهما على الأقل إلى جانب الإنجليزية.
وكان من نتيجة الاستفتاء توحيد القواعد الخاصة بعطلة اليوم الوطني، بعدما كان لكل كانتون الحق فى تطبيق ما يراه ملائمًا، إذ كانت تعتبره بعض المقاطعات يوم عمل معتادا لا يستلزم عطلة خاصة، فى الوقت الذى كانت تمنح فيه بعض المقاطعات موظفيها إجازة نصف يوم للمشاركة فى الاحتفالات، بينما كان يحصل الموظفون والعمال على إجازات مدفوعة الأجر فى كانتونات زيورخ وشافهاوزن وتورجاو وتيسين، وهو ما تم تطبيقه فى جميع المقاطعات، بداية من عام 1994.
الجدير بالذكر أن هناك ثلاثة أنواع من الاستفتاءات فى سويسرا، أولها: الاستفتاء الإلزامي، الذى لا يستلزم جمع توقيعات وإنما يطرح عبر الأحزاب المشاركة فى البرلمان، وهو المتعلق بقرارات محورية تستلزم تغييرا فى الدستور أو الانضمام إلى منظمات معينة، مثل الاتحاد الأوروبى أو الأمم المتحدة، وقد رفض الشعب بالفعل وحتى الآن الانضمام للأولى خوفًا من التأثير على اقتصاديات البلاد، ووافق على الانضمام للأخيرة، حتى تكون للبلاد مكانة بين دول العالم الأعضاء.
وثانيها، الاستفتاء الاختيارى الذى يتم عندما يعارض عدد كافٍ من المواطنين تشريعًا جديدًا أو معاهدة دولية تم الاتفاق عليها أو مرسومًا حكوميًا حديثًا، وفى تلك الحالة يجب جمع 50 ألف توقيع فى خلال مائة يوم، حتى يتم المضى قدمًا فى مراجعة الأمر ومناقشته برلمانيًا. والنوع الثالث من الاستفتاءات هو الذى يأتى فى إطار مبادرة شعبية، لوقف إزالة مبنى أو متنزه، أو قتل الذئاب المهاجمة لقطعان الماشية على سبيل المثال، حيث لا تهدف إلى تعديل الدستور ولكنها لا تتعارض والقوانين أو المراسيم الجديدة.. وفى هذه الحالات يجب جمع 100 ألف توقيع خلال 18 شهرًا حتى يتم المضى قدمًا فى مراجعة القرارات التى يعترض أصحاب المبادرة بشأنها.
وحتى اليوم تختلف الاحتفالات من مقاطعة لأخرى وإن اتفقت على إشعال النيران على قمم الجبال المحيطة بكل مقاطعة، واللعب بالأعلام فى عروض فلكلورية ومسيرات موسيقية راقصة تقطع الشوارع يقودها رجال ونساء يرتدين الملابس التقليدية المطرزة، وفى بعض المناطق السويسرية، يتم قرع أجراس الكنائس عند منتصف ليل اليوم الوطنى السويسري، احتفالا وشكرًا على الحرية والوحدة.
وتأتى جنيف على قمة قائمة الكانتونات الأكثر اهتماما، حيث تقام عروض مبهرة بالأضواء والألعاب النارية حول البحيرة التى تصدح حولها الموسيقى وتتزين المنازل والمصالح الحكومية والمتنزهات والشرفات بالأعلام الوطنية، وهى عبارة عن خلفية حمراء يتوسطها صليب أبيض متساوى الأطراف والفوانيس باللونين الأحمر والأبيض، وتتم صناعة خبز بعجينة خاصة تتوارثها البيوت والمخابز السويسرية تعلوه شارة الصليب نفسها، حيث يباع فى ذلك اليوم جنبًا إلى جنب مع المنتجات السويسرية الشهيرة وخصوصا الجبن واللحم المجفف وغيرها من الأطعمة السريع، التى يتم بيعها فى المحال وعربات الميادين وأماكن أسواق الشوارع المعتادة التى تنظمها البلديات فى كل مقاطعة.
ويأتى الاحتفال فى الأول من أغسطس كل عام تخليدًا لذكرى أول كونفيدرالية سويسرية عرفتها البلاد بين ثلاث مقاطعات عام 1291 للدفاع عن أنفسهم ضد إمبراطورية هابسبورج، وهو النواة التى اتسعت لتشمل ثمانية كانتونات وأصبحت تعرف باسم الاتحاد السويسري، ووصل عدد المقاطعات الآن إلى 26 مقاطعة لكل منها برلمانها وقوانينها وقواعدها. وان اتفقت جميعها على احترام الدستور الاتحادى والعمل من أجل رفعة سويسرا وتقدمها تحت شعار: الكل فى واحد، والواحد للكل.
رابط دائم: