أعتقد لم يشعر أى مصرى أو عربى بالخسارة والخذلان لقرار الرئيس الأمريكى «جو بايدن» الرحيل، عندما فاجأ العالم بالانسحاب من السباق الانتخابى، بل ربما شعر البعض بالغبطة لرحيل الرجل وكتابته الفصل الأخير لنهاية غير سعيدة بالمرة، لِمَ لا وهو الذى خدع الجميع فى الإقليم وربما العالم، خاصة عندما نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً عندما كان يخوض معركته الإنتخابية فى 2020 ضد منافسه اللدود "ترامب"، يومها قدم بايدن للناخب الأمريكى وكذلك لسكان المعمورة جملة من البرامج والوعود التى أشعرتنا بأن العالم مُقبل على حياة من الاستقرار والأمن لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن تحقيق موجات متتالية من الرفاهية والرخاء، بفضل عودة أمريكا العظيمة التى ستغطى سماء البشرية بفيض من الخيرات والمن والسلوى، ولا يهمنا فى كل تلك الوعود إلا ما يخص منطقتنا الشرق الأوسط، فالرئيس الأمريكى خدعنا، وبتقويم موضوعى، نتفق أنه كان أكثر الرؤساء الأمريكيين طيلة الخمسين عاماً الماضية خداعاً وكذباً، يكفى أنه فى عهده حدثت أكبر مجزرة بشرية فى القرن الحادى والعشرين، وتجرى وقائعها على مدى عشرة أشهر حتى الآن، وهو الذى أسهم فى تمرير فصولها المأساوية ووقائعها البشعة لمنسوب القتل والذبح والإبادة الكاملة، عبر التغطية السياسية والدبلوماسية والعسكرية التى وفرها للنازيين الجدد فى إسرائيل، والإنقاذ الدائم لقاتل العصر ومجرم القرن «نيتانياهو»، مع العلم بأن «بايدن» هذا هو الذى ملأ الدنيا وشغل الناس خلال حملته الإنتخابية، بخطابات مكررة عن معجزته القادمة وأهليته الاستثنائية وتاريخه الطويل وحنكته الفريدة فى ملاعب السياسة الخارجية، لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وقدراته الإعجازية على تحقيق حلم الدولة الفلسطينية فى أول عام من رئاسته.
لم يفاجئنى رحيل «بايدن»، فمنذ نهاية العام الماضى حتى منتصف هذا العام، تطاردنى نبوءة الأمين العام لجامعة الدول العربية «أحمد أبوالغيط»، الذى توقع استحالة نجاحه فى الانتخابات المقبلة، ويكفى اعتلال حالته الصحية، وعندما وقعت الحرب فى غزة كنت أشعر بغصة فى قلب «أبوالغيط» من سوء الأداء الأمريكى فى إنهاء هذه الحرب، ولسان حاله يقول لولا التغطية الأمريكية والأداء السيئ للولايات المتحدة لما كنّا وصلنا إلى هذا المستوى من الإبادة والقتل وسفك الدماء، تعود نبوءة الأمين العام إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، فبعدها بأسابيع أبلغنى أن «بايدن» لن يبقى غير فترة واحدة فى البيت الأبيض، ولن يبقى لخوض أى حملات انتخابية لفترة رئاسية ثانية، ولو فعلها سيفشل بامتياز، فطلبت منه أن يشرح لى أسباب تلك النبوءة فقال لى إنه التقاه على هامش حفل افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى لم تكن المرة الأولى، بل رآه من قبل مرات عديدة حتى قبل أن يصبح نائباً ثم رئيساً للولايات المتحدة، وذلك خلال عقدى التسعينيات والألفية الجديدة، عندما كان «أبوالغيط» لسنوات طويلة مندوباً لمصر فى الأمم المتحدة ثم وزيراً للخارجية المصرية، وفى اللقاء الأخير تغير «بايدن» كثيراً فقد تراجعت حالته الصحية وأصبح حديثه غير متناسق، وقدراته الإدراكية خاصمته كثيراً، ووقتها أدركت أن هناك استحالة فى استمرار وبقاء الرجل فترة ثانية.
وعندما ذكرت لـ «أبوالغيط» فى أبريل 2024 أن «بايدن» أكد قدرته على إنهاء حرب غزة وإنهاء الصراع فى الإقليم ولديه تصميم على إعلان حل الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام، ذكرنى «أبوالغيط» بحديثه السابق عقب عودته من نيويورك نهاية العام الماضى، ليؤكد أن كلام «بايدن» لن يتحقق، ولن يفعل الكثير لأسباب عدة، أهمها أن الوقت المتبقى أمامه فى البيت الأبيض ليس طويلاً، فهو سيكمل نهاية هذا العام فقط على أكثر تقدير، ولن يكون رئيساً لفترة ثانية، وتدليلاً على حديثه دعانى بنظرة الخبير السياسى وصاحب الخبرة والتاريخ الدبلوماسى لأكثر من 60 عاماً، لمراقبة أداء بايدن فى قادم الأيام وخطوات سيره وحديثه وأقواله، وبالفعل حدث ما توقعه «أبوالغيط»، سقط «بايدن» وتعثر كثيراً، وكان قراره الانسحاب وتمضية الوقت المتبقى له فى رئاسته، دون أن يُحقق وعداً واحداً من حديثه الباهت طيلة السنوات الثلاث عن الشرق الأوسط واستقراره وحل الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى.
بالتأكيد رئاسة «بايدن» سيكون لها تاريخ من السوء والخداع، ولن يصنفه التاريخ إلا بالرجل صاحب الأداء السيئ فى الشرق الأوسط، حرب غزة ستضعه فى أسوأ فصول التاريخ، ورطه «نيتانياهو» وخدعه طيلة الوقت، لن تنصفه ادعاءاته وتفاخره الدائم بصهيونيته، ستظل صرخات قتلى حرب غزة تطارده، وأنين ضحايا أكبر مجزرة وحرب إبادة فى التاريخ الحديث تشيعه، لن يغفر له ساكن الشرق الأوسط، كيف تواطأ مع «نيتانياهو» ومجرمى الحرب فى تل أبيب، وبات الجميع على قناعة ويقين أن أيا من المرشحين الحاليين للانتخابات الأمريكية «ترامب - كامالا هاريس»، أفضل من «بايدن» وأداء أى منهما سيحقق الحد الأدنى من الالتزام بالتعهدات التى سيقطعها فى حملته الانتخابية، أتفاءل بالقادم فربما يحمل بعض الإنجاز للشرق الأوسط، وإنه لن يحدث مجزرة جديدة على غرار غزة، فالضمائر الحية لن تسمح بتكرار خيبات «بايدن»، أكبر داعم للقتلة والنازيين الجدد فى إسرائيل على مر التاريخ.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: