رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مهن انقرضت .. وأخرى أوشكت!

مشاهدة فيلم من أفلام «الأبيض و أسود»، من منظور معرفة المهن القديمة، التى كان لا يمكن الاستغناء عنها، وعقد مقارنة مع وضعنا اليوم، وكذلك الحال غدا كفيل بتبيان ما آلت إليه الأمور، أتذكر حتى منتصف القرن الماضى على سبيل المثال، كانت البيوت بسيطة للغاية، وكانت لمبات الجاز عليها إقبال كثيف، خاصة لدى أهلنا فى الأرياف، حتى فى عدد من منازل الحضر كانت موجودة، كمصدر مهم جدا للإضاءة، أتذكر حديثا مهما للعالم الراحل د. أحمد زويل، وهو يروى ذكريات طفولته مع لمبة الجاز، وكيف كانت تعينه على المذاكرة، وغيره كثير من مصريين أثروا حياتنا، وأتذكر تلك اللمبات أيام طفولتى وأنا فى بلدتى الريفية الجميلة.

كانت صناعة لمبات الجاز من الصناعات المهمة، وكذلك وابور الجاز، باعتباره المصدر الأحدث لطهو الطعام، ومن ثم، كان إصلاحهما من المهن المهمة، غالبا كل الجيل الحالى من الشباب، لا يعرف شيئا عنهما، وقد لا يهوى مشاهدة الأفلام القديمة، وبالتالى لم يشاهدهما.

حتى مهنة إصلاح السيارات، كانت من المهن التى تخدم كل ملاكها، وعندما نعرف أن هناك ملايين السيارات من كل الفئات، نعى قدر تلك المهنة، وكان لقب الباشمهندس، يطلق على ميكانيكى السيارات، أيا كان درجة تعليمه، أو مؤهله. هنا أتحدث عن مهنة نعيشها الآن، رويدا رويدا، ومع تطور التكنولوجيا، أضحت السيارات حديثة، وتطورت طريقة تشغيلها، وبات لمعرفة أعطالها، التعامل معها من خلال أجهزة الكمبيوتر الحديثة، وهو ما يتطلب قدرا معتبرا من العلم، قد لا يتوافر لعدد من أسطوات الميكانيكا، لذلك منذ عقدين و نيف من السنين، عند ظهور جيل حديث وقتها من السيارات، التى تتسم بكل وسائل الرفاهية والراحة، لم يكن فى مقدور هؤلاء الأسطوات التعامل مع تلك التكنولوجيا الحديثة، فكانوا سببا رئيسياً فى عدم رواج تلك السيارات، لصعوبة إصلاحها بالنسبة لهم.

كانت مصر من أكثر دول العالم شهرة فى الحرف اليدوية، ومع بداية عصر محمد على، سافر عدد كبير منهم إلى الأستانة لتعليم الناس هناك فنون الحرف، وكانت المشغولات اليدوية ذات جودة متميزة، وقيمة كبيرة، وكانت تباع بمبلغ كبير لمن يقدرها.

مع مرور الوقت، تغيرت أذواق الناس، فقل الاهتمام بتلك المشغولات، فانقرضت الحرف، بعد انصراف الناس عنها، حتى فانوس رمضان، وهو إحدى علامات الشهر الفضيل عند الأطفال، نادرا جدا إن وجدت فانوسا مصنوعا فى مصر.

بات الأيسر، استيراده من الخارج، مثله مثل أشياء أخرى، منذ فترة ليست بالطويلة، كنت فى مكان يعرض بعض التحف، فشاهدت مقعدا مصنوعا بالكامل باليد، دون فواصل أو لحامات، تحفة فنية رائعة، خاصة أنه محفور على حوافه رسوم بديعة للغاية، مجرد رؤيتها مبهج. عرفت من المعرض أن صناعة المقعد استغرقت شهرا ونصفا.

عشرات من المهن الجميلة انقرضت، وهناك عشرات على وشك، أزيدك من التفاصيل. بدأت منذ شهور عملية الترويج لسيارات التاكسى التى تسير بدون سائق فى دول قريبة، كخدمة متطورة حديثة، وذلك بعد أن تمت تجربة الفكرة مئات بل آلاف المرات، حتى يقر التطبيق العملى، الغرض هنا ليس الاستغناء عن سائق التاكسى، للتضييق عليه، ولكنها التكنولوجيا المتطورة، لذلك عما قريب جدا، سيتم الاستغناء عن سائق التاكسى، وغالبا ستسير السيارات الحديثة كلها بدون سائق، بالقيادة الذكية، فحتى لو كانت سيارات الأشخاص، سيكون الغرض، أن تركب سيارتك دون قيادتها، كإحدى وسائل الرفاهية المطلقة، فكلما تطور العلم، تطورت وسائل الراحة والرفاهية.

والمثال الأقرب، كانت الكتابة على الورق متعة، وكان تحسين الخط، من علامات الإبداع، اليوم باتت الكتابة بالضغط على زر على لوحات الكمبيوتر، وعليك اختيار نوع الخط، وقريبا جدا، عليك أن تنطق ما ترغب بكتابته، فيكتبه جهاز الكمبيوتر المتقدم جدا، وبعد فترة أخرى، سيقرأ الكمبيوتر الكلمات، ثم ينطقها، بدلا من أن تقرأها أنت!

إنه التطور، الذى جعل العالم، يقبل على فكرة أن يقوم ريبوت بعمل عمليات جراحية لبعض الحيوانات، كتجربة، حال نجاحها كما هو متوقع، يتم البدء فى التطبيق على البشر، وإن كانت بدأت فى عمليات بسيطة على اعتبار الريبوت عنصرا مساعدا.

التطور العلمى اللا محدود، حول الأحلام لواقع، فبات هناك اليوم عشرات البرامج الحديثة، التى تمكن الشركات المختلفة من عمل عشرات العمليات الحسابية بضغطة زر على جهاز الكمبيوتر، أتذكر مركز آماك منذ ثمانينيات القرن الماضى، وأنا أدرس به دورة كيفية عمل نظام المين فريم، وهو جهاز كمبيوتر كبير جدا فى الحجم، سبق الجهاز الذى نتعامل معه الآن، وكيف كان لهذا الجهاز، أن يقوم بعمل أنظمة رواتب عدد من الشركات كثيفة العمالة، وعدد آخر من المعاملات الحسابية المهمة، فما بالنا بما يمكن أن ننجزه اليوم عبر تطبيقات هى الأحدث فى العالم، تطبيقات قد تغنينا عن استخدام المحاسبين، وهنا يثار داخل النفس سؤال. لو انتهى الاعتماد على المحاسبين، هل سيتم الاستغناء عن تدريس مواد المحاسبة، حيث سيقل الإقبال على دراستها؟

وهل لو تمكن الذكاء الاصطناعى من كتابة المقال بالحرفية المتوقعة، وكذلك الأخبار، فيقل الاعتماد على الصحفى، ومن ثم تندثر مهنة الصحافة؟!

الأمر يذهب لأبعد من هذا بكثير، فأينما وٌجد التطور، قلت بالتبعية الوظائف التى يعمل بها الإنسان و يستعاض عنها بالإنسان الآلى.

لذلك أطلق العنان لخيالك، وثق أن المستقبل متخم بما هو أكبر وبكثير!!

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: