المفكر والفيلسوف الكبير نعوم تشومسكى يعتبر أشهر يهودى مساند للقضية الفلسطينية، ومناهض للتكتل الصهـيوأمريكى، لم يكتف بالتعبير عن تأييده للقضية الفلسطينية بالكلام منطوقا ومكتوبا، وإنما ذهب بنفسه إلى الشعب الفلسطينى فى دياره ليؤكد دعمه للقضية حيث زار غزة بينما منعته إسرائيل من دخول الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية! بل انه يتابع بعض الشعراء العرب الذين يتغنون بالقضية فى أشعارهم ومن أشهرهم مظفر النواب صاحب قصيدة : «القدس عروس عروبتهم»، فقد اعتذر نعوم عن كل مواعيده المسبقة حينما طلب النواب مقابلته فى واشنطن، ليستقبله بكل ترحاب!.
هذا المواقف تضيف قرائن أكثر نصوعا لدوره كمثقف واع وملتزم بالقضايا العادلة، وقد عرضنا جانبا من تمظهرات هذا الدور فى المقال السابق، ونستكمل اليوم رصد هذا الدور بخاصة فيما يتعلق بمساندة قضية العرب الأولى.
بالقدر الذى يدعم به الفلسطينيين، يعارض تشومسكى جرائم الاحتلال الصهيونى، مؤكدا أن إسرائيل تنتهج سياسات من شأنها زيادة المخاطر المحدقة بها إلى أقصى حد، «فهى سياسات تختار التوسع على حساب الأمن، وتقود إلى انحطاطها الأخلاقى وعزلتها ونزع الشرعية عنها، الأمر الذى سيؤدى إلى دمارها فى نهاية المطاف، وهذا أمر غير مستحيل».
وشكل تشومسكى مع المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد فريقاً ثنائياً للدفاع عن القضية الفلسطينية عبر المؤسسات الأكاديمية والفكرية، ونقد الصهيونية ومخططاتها الاستعمارية. ودعا الشعب الأمريكى الى ضرورة مواجهة إسرائيل ومقاطعتها بسبب معاملتها للفلسطينيين، ووصف موقف بلاده الولايات المتحدة بالمتناقض فى محاضرته أمام أكثر من 450 من أعضاء هيئة التدريس والطلاب بمعهد ماساشوتس التقنى (MIT) الذى يعمل به، منتقدا الممارسات الإسرائيلية البغيضة بحق الشعب الفلسطينى ومنها نظام عبور العرب وطرق المرور المقيدة والحواجز الأمنية بين الأقاليم الإسرائيلية والفلسطينية. وأكد أن إسرائيل تتبنى سياسة جنوب إفريقيا إبان التمييز العنصري.
وقد عبر عن مؤازرته لحقوق الشعب الفلسطينى فى العديد من مقالاته وكتابه، فيرى أن القضية الفلسطينية هى تصوير بسيط للاستعمار، ومع ذلك فإن العالم يتعامل معها على أنها قصة معقدة ويصعب فهمها، بل ويصعب حلها.
ويقول تشومسكى فى كتابه «لأننا نقول ذلك»: «قضاء ليلة واحدة فقط فى السجن تكفى لأن يذوق المرء طعم ما يعنيه أن تكون تحت السيطرة الكاملة لبعض القوى الخارجية ولا يكاد يستغرق الأمر أكثر من يوم فى غزة لتقدير ما يجب أن يكون عليه الحال لمحاولة البقاء على قيد الحياة فى أكبر سجن مفتوح فى العالم».
كما أصدر نعّوم تشومسكى وإيلان بابه، الباحث البارز فى قضايا الشرق الأوسط، كتاب «غزّة فى أزمة»، الذى يوثق المنطق العنصرى لإسرائيل وسلوكها العُدوانيّ، بحق الفلسطينيين ويقدمان آراء جديدة فى أصول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ويناقشان مختلف الحلول المطروحة ولا سيما حل الدولتين. كما سجلا سعى إسرائيل إلى الإبادة الشاملة للشعب الفلسطينى من خلال الرصاص المصبوب وحرق المحاصيل الزراعية، ومنع دخول الغذاء والدواء والنفط والاعتراض على أى قافلة مساعدة. وتضمّن الكتاب فصلا عن جذور الأغلبية الأمريكية فى دعم الحركة الصهيونية، وولادة القومية العربية الحديثة بفلسطين وتحليلٌ للحراك العربى وتأثيره على دولة فلسطين ومصير دولة الاحتلال.
وانتقد مجددا موقف بلاده من فلسطين لافتا إلى إن الطريق الوحيد أمام الولايات المتحدة لتهدئة الصراع فى المنطقة هو أن تتوقف عن رفضها للانضمام للإجماع الدولى المنادى بحق كل الدول فى المنطقة بأن تعيش فى أمن وسلام، بما فيها دولة فلسطينية على أرضها.
زار قطاع غزة فى أكتوبر عام 2012 تضامنا مع أهله المحاصرين، وذلك على رأس وفد يضم عشرة مفكرين غربيين، وألقى تشومسكى محاضرة هناك حيث أكد أن التضامن الدولى مع القضية الفلسطينية وصل إلى مستوى كبير مقارنة بما كان عليه فى السابق، لافتا الى أن الحرب الإسرائيلية على غزة أسهمت بشكل كبير فى تغيير الصورة فى العالم حول طبيعة ما يجرى على الأرض، وهو ما عزز مفاهيم التضامن وحركات الدعم للشعب الفلسطينى،.وقد منحته الجامعة الإسلامية بغزة درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية.وفى العام 2020 منحته مؤسسة محمود درويش جائزتها للثقافة والإبداع، ولكن لاتزال هناك حاجة لتكريمه عربيا على مستويات أعلى وأوسع.
لمزيد من مقالات د. محمد يـونس رابط دائم: