قصة جوليان أسانج هى قصة مثابرة تستحق إعادة سردها. أسانج محرر وناشر وناشط أسترالى، فاز بالعديد من الجوائز فى مجال النشر. فى عام 2006، أسس أسانج «ويكيليكس»، وهى منصة للإبلاغ عن المخالفات سربت وثائق سرية تتعلق بالحروب والتجسس والفساد.عبر ويكيليكس تم بث عشرات الآلاف من الوثائق والتقارير ورسائل البريد الإلكترونى والبرقيات العالمية والأمريكية.
والأهم أن أسانج ساعد محللة استخبارات الجيش الأمريكية، تشيلسى مانينج، فى كسر كلمة المرور إلى شبكة بروتوكول الإنترنت السرية فى عام 2010، وهى الشبكة التى تستخدمها حكومة الولايات المتحدة لتبادل المعلومات السرية، ثم اكتسب أسانج الاهتمام العالمى عندما سرب موقع «ويكيليكس» وثائق استخباراتية حساسة للجيش الأمريكى وسجلات عسكرية من حربى العراق وأفغانستان.
اعتبرت التسريبات أكبر الخروقات الأمنية من نوعها فى تاريخ الجيش الأمريكى، وهى تشير إلى أن الجيش الأمريكى قتل مئات المدنيين فى حوادث لم يتم الإبلاغ عنها خلال حربى أفغانستان والعراق. وصفت وزارة العدل الأمريكية التسريبات بأنها واحدة من أكبرعمليات الاختراق للمعلومات السرية فى تاريخ الولايات المتحدة، لكن أصر أسانج على أن الملفات كشفت انتهاكات خطيرة ارتكبتها القوات المسلحة الأمريكية فى حق الكثيرين.
مقطع فيديو، حظى بالنفور، كان لجنود أمريكيين فى هليكوبتر يقتلون المدنيين العراقيين، بما فى ذلك مصور «رويترز» وسائقه. وعندما توجه رجل لمساعدة الضحايا، أصيب هو وطفلاه بالرصاص وصاح أحد طاقم الهليكوبتر: تصوير جيد، وقال آخر نعم انظر إلى الأوغاد الموتى.
وأُدينت تشيلسى مانينج، شريكة أسانج، عام 2013 بتهمة التجسس وقضت سبع سنوات فى سجن عسكرى أمريكى، لكن أسانج تمكن من تجنب المصير نفسه لوجوده خارج الولايات المتحدة.
لكن السلطات الأمريكية بدأت إجراءات تسليم أسانج إليها ونتيجة لذلك ولتجنبه التسليم ظل أسانج فى حبس اختيارى أولا، ثم فى سجن قسرى لمدة 12 عاما فى إنجلترا. ولوكان قد تم تسليمه وإدانته لكان قد واجه ما يصل إلى 10 سنوات فى السجن لكلٍ من التهم الـ 17 الموجهة إليه التى تصل إلى 170 عاما فى السجن، وهو حكم مشابه للإعدام واستمر نضال أسانج لمدة 14 عاما.
وفى عام 2012 طلبت دولة السويد أيضا تسليم أسانج بتهمة الاغتصاب، وهو ما نفاه أسانج معتبرا أنها حيلة لتسليمه إلى الولايات المتحدة، وفعلاً فى عام 2015 رُفضت تهمة الاغتصاب وسقطت هذه الادعاءات ضد أسانج. لذلك فى عام 2012 ذهب أسانج متنكرا فى زى ساعٍِ على دراجة نارية إلى سفارة الإكوادور فى لندن، وطلب اللجوء ومُنح هذا الحق من قبل الإكوادور، ومكث بالسفارة لمدة سبع سنوات. وتقول «بى بى سى»: مكث جوليان أسانج فى مكتب صغير تم تحويله إلى غرفة نوم فى سفارة الإكوادور فى أحد الأحياء بوسط لندن، حيث كان يعيش مع قطة فقط لا غير. كانت الغرفة تحتوى على سرير ومصباح وكمبيوتر ومطبخ صغير ودش وجهاز للمشى.
غادر أسانج سفارة الإكوادور بعد هذه المدة بعد أن أنهى رئيس الإكوادور آنذاك لينين مورينو إقامة أسانج بالسفارة، واعتقلت الشرطة البريطانية أسانج فى أبريل 2019 من سفارة الإكوادور التى لم يتركها أو يخرج منها منذ 2012، وتمت محاكمته لعدم تسليمه نفسه إلى محاكم السويد وحُكم عليه بالسجن 50 أسبوعاً.
لكن خوفًا من احتمال محاولته الفرار فى أثناء استمرار عملية التسليم إلى الولايات المتحدة، بقى أسانج فى سجن شديد الحراسة فى لندن خمس سنوات.
واليوم بعد 14 عاماً، أصبح جوليان أسانج حراً! وتمت تسوية القضية باعترافه بتهمة واحدة هى انتهاك قانون التجسس فى الولايات المتحدة ليحكم عليه بالسجن 62 شهرا. ومع ذلك، لن يواجه أسانج أى عقوبة سجن، ونُسبت إليه السنوات الخمس التى قضاها بالفعل فى سجن لندن بدون وجه حق. وأخيراً عاد أسانج إلى موطنه أستراليا لتنتهى ملحمة طال أمدها.
كتبت زوجة أسانج، «ستيلا» على موقع إكس: جوليان حر! لا يمكن للكلمات أن تعبر عن امتناننا الكبير لكم نعم أنتم الذين حشدتم جهودكم لسنوات وسنوات لتحقيق ذلك، شكراً لكم، شكراً شكراً. كما أعربت «ويكيليكس» عن امتنانها، وأكدت أن إطلاق سراح أسانج كان نتيجة حملة عالمية شملت منظمين شعبيين، وحملات لحرية الصحافة، ومشرعين وقادة من مختلف الأطياف السياسية، وصولاً إلى الأمم المتحدة. إن أسانج دفع ثمناً باهظاً لمبادئه وحق الناس فى معرفة الحقيقة.. ومع عودته إلى أستراليا، نشكر جميع الذين وقفوا إلى جانبنا، وقاتلوا من أجلنا، وظلوا ملتزمين تماماً بالنضال من أجل حريته.
بالفعل نجح أسانج فى إزالة مظلة تضليل مؤكدة أنها قصة صمود تستحق أن تُحكى.
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى رابط دائم: