رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

القرن الإفريقى .. اهتمام مصرى فى مكانه الصحيح

شهدت القاهرة الأسبوع الماضي؛ فاعليتين على درجة كبيرة من الأهمية، الأولى قام بتنظيمها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية بعنوان «الصراعات فى القرن الإفريقي.. وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري». والثانية اطلاق النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة»، الذى يقوم على إعداده بجهد متميز «مركز القاهرة لحل النزاعات وحفظ وبناء السلام»التابع لوزارة الخارجية المصرية.

أكثر ما يلفت الانتباه وتشترك فيه كلتا الفاعليتين، هو حجم الحضور والاهتمام الكبير الذى برز على نحو لافت من المشاركين فى الحدثين، ومثل الحضور الإفريقى بالأخص النسبة الغالبة، لكنه لم يخل أيضا من اهتمام دولى واضح، عبر عن نفسه بالحرص على مشاركة ممثلين على مستوى رفيع من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وعدد من الدول الآسيوية الكبيرة. اللافت أن معظم هؤلاء الضيوف، نقل رسالة بالغة الأهمية مفادها أن الجهد المصرى فى الاهتمام بمنطقة القرن الإفريقي، وإلقاء الضوء على التحديات التى تواجهها، استدعى على نحو جاد إنصاتا وتفاعلا من دول العالم ذات الارتباط معها بمصالح عدة.

فى فبراير 2023؛ تم اختيار مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام لتولى رئاسة شبكة الاتحاد الإفريقى لمراكز الأبحاث من أجل السلام. جاء هذا الاختيار تقديرا لإسهامات المركز القيمة فى مختلف مجالات السلم والأمن فى إفريقيا كمركز تميز للاتحاد الإفريقي، وبما يعد امتدادا لدور مصر الرائد فى تعزيز جهود السلم والأمن والاستقرار دوليا وإقليميا، على أن تكون تلك الشبكة بمثابة منصة جامعة لكل مراكز الابحاث المعنية بالسلم والأمن فى القارة، وستعمل على مد الاتحاد الإفريقى بالدراسات الجادة التى تسهم فى إثراء مداولاته، وفى تعزيز قدراته على التعامل مع الطبيعة المعقدة والمتداخلة لتحديات السلم والأمن فى القارة. هذا الاختيار عكس حجم الثقة التى توليها الدول الأعضاء بالاتحاد، للقدرات المصرية فى تحقيق أهداف تلك الشبكة من حيث التركيز على سد الفجوة بين العمل البحثى والسياسات، حيث تعتبر من الأولويات الرئيسية التى أكدتها الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى (2019 ـ 2021). فى هذا العام وخلال الفاعليات المشار إليها؛ حرص المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية على إلقاء الضوء على أن أكثر التحديات إلحاحا التى تواجه عالمنا اليوم هى الصراعات فى منطقة القرن الإفريقي، التى باتت مؤخرا مسرحا مهما للتجاذبات الإقليمية والدولية، نظرا لموقعها الجغرافى المتميز حيث تطل على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، فيما تمتلك ثروات طبيعية وفيرة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي، مع قوة بشرية هائلة ومتنوعة ثقافيا واثنيا. لكن المحصلة للأسف الشديد لا تعكس هذا الثراء، فالقرن الإفريقى لاتزال واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها تمزقا بالصراعات. إذ تعانى المنطقة العديد من الأزمات المتشابكة، بما فى ذلك؛ الصراعات المسلحة، ما يتسبب فى معاناة إنسانية هائلة ويعيق فى الوقت نفسه التنمية التى هى الحلم المفقود لشعوب هذه المنطقة. لهذا حرصت هذه الحلقات النقاشية المعمقة، على تقديم فهم أكبر وتفسير دقيق للصراعات المختلفة التى تشهدها منطقة القرن الإفريقي، سواء صراعات تتسم بطابع داخلي، ولكن فى حقيقة الأمر لديها أبعادها الإقليمية والدولية، أو تلك العابرة للحدود الوطنية. كذلك تأثيراتها على الأمن والسلم الإقليمي، للخروج برؤى حيال تلك الصراعات وسبل معالجتها، والآليات المبكرة للحيلولة دون ظهور مثل تلك الصراعات مستقبلا.

وقد كان مهما الاشارة إلى بعض النماذج المركبة من التحديات، التى تسببت فى الوصول إلى هذا الحصاد المأساوي، منها الصراع الإثنى الاثيوبى الممتد الذى لم يقف عند حدود الداخل الإثيوبي، بل امتد بشكل غير مسبوق ليصل إلى السودان فى صراع لا يقل خطورة وتكلفة مما تشهده إثيوبيا. كما نجد أن تكلفة الصراع الدائر فى السودان لا يقتصر على الجانب السوداني؛ بل يحمل فى أبعاده ضغوطات أمنية على دول الجوار اللصيق، وفى مقدمتها مصر لتأمين حدودها الجنوبية، وما تحملته أيضا مصر من أعباء نتيجة استضافتها ملايين من اللاجئين الفارين من ويلات الحرب. فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، تشير مؤخرا التقديرات إلى أن عدد اللاجئين فى السودان قد وصل إلى أكثر من 1.8 مليون شخص فى أبريل 2024. وهناك تقديرات أخرى ترتفع بهذا الرقم إلى مستويات صادمة، فى حال إضافة أعداد النازحين بالداخل السودانى والمنتقلين إلى دول الجوار من خلال الاستضافة، أو لم شمل الأسر المتضررة من ويلات الصراع المسلح.

فى مؤتمر المركز المصرى وأيضا فى منتدى أسوان، أكد أكثر من مشارك من الجنسيات الإفريقية إلى أن منطقة القرن الإفريقى تشهد الآن حالة من التفاعلات غير التعاونية، وهو ما انعكس بوضوح فى التعدى على سيادة الدول مثلما شهدته دولة الصومال بعدما اتجهت إثيوبيا لتوقيع مذكرة تفاهم مع حكومة أرض الصومال، فى سبيل مساعيها للحصول على منفذ بحري، بما ترتب عليه من اضطرابات فى العلاقات بين إثيوبيا والدول المطلة على البحر الأحمر. وارتباطا بمعادلة البحر الأحمر فقد بلغ الأمر ذروته فى التصعيد الجارى منذ نهاية عام 2023 وبدايات عام 2024، بسبب الاستهداف العسكرى للسفن التجارية الذى حمل تداعيات سلبية على إمدادات التجارة الدولية ومسارات خطوط الملاحة، وكان له تأثيراته على تكلفة النقل للسلع، وهو الأمر الذى ألقى بظلاله على خطوط النقل الدولى للسلع، خاصة تلك الرئيسة التى تحظى بثقة وأهمية لجميع دول العالم وشركات الشحن، وهى قناة السويس. القضايا والنقاشات تناولت ملفات أخرى لا تقل أهمية، مثل الفقر والجوع ومصاعب التحدى المناخي، فضلا عن التهديدات الإرهابية المسلحة التى عادت لتتنامى من جديد على خلفية هذا المشهد المركب، الذى أحسنت القاهرة صنعا فى وضعه تحت دائرة أضواء الاهتمام وتأكيد ضرورة العمل الجماعى لمجابهة تحدياته الهائلة.


لمزيد من مقالات خالد عكاشة

رابط دائم: