يمكن القول إن ثورة 30 يونيو قد مهدت لقيام الجمهورية الجديدة فى مصر، أو بعبارة أخرى فإن علاقة ثورة 30 يونيو بالجمهورية الجديدة أشبه بعلاقة السبب بالنتيجة، حيث تواجه الدولة المصرية الكثير من التحديات على مستويات عديدة سياسية، واقتصادية، وأمنية، داخلية، وخارجية تسعى إلى مواجهتها والانتصار فيها، وتحقيق طموحات الوطن والمواطنين، وكذلك فقد كانت نقطة البداية فى هذا الإطار هى ثورة 30 يونيو التى قام بها الشعب، وانحاز إليه الجيش بهدف إحداث التحولات الإيجابية المطلوبة، والتغلب على التحديات. ويقصد بالثورة فى معناها العلمى إحداث تغيرات سريعة ومتلاحقة وفى فترة زمنية قصيرة نسبيا مما تترتب عليه تحولات مهمة ايجابية يشعر بها المواطن، ويمكن الإشارة إلى الثورات المختلفة التى شهدها العالم والتى كان لها أهميتها سواء فى الدول التى قامت فيها هذه الثورات، أو على دول العالم ومن ذلك على سبيل المثال الثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والثورة الروسية، وغيرها من الثورات التى عرفها العالم والتى كان الهدف منها احداث تغيرات وتحولات مهمة سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية وخصوصا عندما يتم إرساء مبادئ وأفكار الثورة فى مؤسسات تعمل على تنفيذ هذه الأفكار والطموحات على أرض الواقع، وتعمل أيضا على مواجهة التحديات والصعوبات والتغلب عليها، ولعل هذا ما تهدف إليه الجمهورية الجديدة فى مصر والتى تسعى إلى تحقيق الأفكار، والأهداف، والمبادئ، والطموحات التى انطوت عليها ثورة 30 يونيو، ومواجهة الصعوبات والتحديات.
ولعل من أهم الإيجابيات التى تحققت فى السنوات السابقة والتى يتم تدعيمها وتكريسها فى الجمهورية الجديدة ما يلى:
-التوازن والاستقلالية فى السياسة الخارجية المصرية، حيث ركزت السياسة الخارجية المصرية لعدة عقود من الزمن على العلاقات مع دول المعسكر الغربى، أى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحدث تغير فى السنوات الأخيرة نحو انفتاح مصر على دول العالم المختلفة ودون ارتباط بتكتل وحيد وتعددت المحاور والمستويات التى تتحرك عليها السياسة الخارجية المصرية، مثل محور التوجه نحو الشرق أى نحو القارة الآسيوية التى تضم دولا مهمة ومؤثرة فى السياسة الدولية والاقتصاد العالمى، كما تضم أيضا دول النمور الآسيوية بتجاربها فى التنمية الاقتصادية التى يمكن الاستفادة منها، وتوثيق العلاقات مع روسيا والصين على مستويات مختلفة ومتعددة، كما عرفت السياسة الخارجية المصرية أيضا محور التوجه نحو الجنوب أى القارة الأفريقية ذات التأثير الوثيق على الأمن القومى المصرى، وتزايد محاولات التعاون المصرى الإفريقى فى قضايا مختلفة مثل مواجهة الإرهاب، وأزمة الغذاء، ومشاكل الطاقة والغذاء، والتغيرات المناخية، والبحث عن حلول للمشاكل الإفريقية وأدى التعاون المصرى الإفريقى إلى تزايد دور وأهمية مصر فى القارة الإفريقية، وتولت رئاسة الاتحاد الإفريقى فى عام 2019، ورئاسة تجمع شرق وجنوب إفريقيا عام 2021، واهتمت مصر بتدعيم التعاون مع دول البحر المتوسط، وأيضا المزيد من الاهتمام بالقضايا والملفات الساخنة فى المنطقة العربية ودول الجوار مثل السودان، وليبيا، واليمن، وسوريا، والعراق، بالإضافة بطبيعة الحال إلى قضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية وما تشهده من تطورات وتداعيات، ويلاحظ أنه على الرغم من تعدد المحاور على النحو السابق فإن ذلك لم يكن على حساب العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، ومن المتوقع تدعيم ذلك فى ظل الجمهورية الجديدة مما يضفى التوازن والمرونة والاستقلالية فى السياسة الخارجية.
- بناء المؤسسات وتدعيم المشاركة، فقد شهدت الفترة الماضية استقالة الوزارة والاتجاه إلى تشكيل وزارى جديد بتكليفات محددة من السيد الرئيس تتناول مختلف الجوانب المتعلقة بالأمن القومى وبناء الإنسان والتنمية، وجذب الاستثمارات وزيادة الاهتمام بالسياسات الاجتماعية وملفات التعليم والصحة، ويعتبر هذا التكليف الرئاسى مسئولية على الوزارة الجديدة تعمل على تحقيقها وإنجازها فى ظل الجمهورية الجديدة، كذلك فإن تدعيم الأحزاب السياسية وتزايد قدراتها، ومعرفة المواطن بها يساعد فى تزايد المشاركة السياسية، فالمهم بالنسبة للأحزاب السياسية هو عنصر الكيف وليس مجرد الكم، أى العدد الكبير من الأحزاب السياسية، فالأكثر أهمية هو حجم العضوية فى الأحزاب ووجودها فى الشارع ومشاركتها فى حل مشاكل المواطنين، كذلك ستجرى انتخابات المجالس المحلية والمتوقفة منذ فترة طويلة مما يدعم من دور المؤسسات فى ظل الجمهورية الجديدة، كذلك فإنه من المتوقع مزيد من المشاركة فى المؤسسات السياسية المختلفة للفئات التى كان يطلق عليها فئات مهمشة مثل المرأة والشباب، والمصريين فى الخارج، وذوى الاحتياجات الخاصة وذلك فى ظل اهتمام الجمهورية الجديدة بهذه الفئات.
- التنمية وبناء الإنسان وجودة الحياة، تعتبر قضية التنمية من أهم القضايا التى يتم التعامل معها فى ظل الجمهورية الجديدة ويكون الهدف منها أن يشعر المواطن بتحسن ظروفه المعيشية اليومية، ولعل هذا ما يهم المواطن فى أى دولة أن يشعر بأثر ايجابى فى مواجهة المشاكل الاقتصادية المتعلقة بالتضخم، وارتفاع الأسعار، ومكافحة البطالة أو ما يمكن أن نطلق عليه تحسن جودة الحياة، وأن يشعر المواطن بثمار التنمية، وأن يجنى ثمار ما تحمله خلال عملية الإصلاح الاقتصادى ووفقا لإستراتيجية التنمية المستدامة لمصر 2030، كذلك من المتصور أنه فى ظل الجمهورية الجديدة ستوجه درجة كبيرة من الاهتمام إلى بناء الإنسان، وتنمية وعيه وقدراته باعتبار أن الإنسان هو أداة تحقيق التنمية، كما أنه الهدف من عملية التنمية حيث تتساقط ثمارها وآثارها الإيجابية عليه، فهى إذن جملة من الآثار الإيجابية التى تنعكس على المواطن المصرى فى ظل الجمهورية الجديدة.
> أستاذ العلوم السياسية
جامعة القاهرة
لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين رابط دائم: