تعتبر محكمة العدل الدولية من الأجهزة المهمة للأمم المتحدة وتتولى المهام القضائية الدولية ، فإذا كان مجلس الأمن بمثابة الجهاز التنفيذي للمنظمة الدولية ، بينما تعتبر الجمعية العامة أشبه بالبرلمان الدولي، فإن محكمة العدل الدولية تعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، حيث تتحدد مسئولياتها في تسوية المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول ، كما تتولى تقديم آراء استشارية بشأن الأمور القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة ، و وكالاتها المتخصصة، وتعتبر أحكام المحكمة الزامية من الناحية القانونية ولكنها لا تمتلك سلطة تنفيذها حيث إن ذلك يكون من اختصاص الجهاز التنفيذي للمنظمة الدولية وهو مجلس الأمن.
ويمكن الإشارة إلى الدور الذي قامت به محكمة العدل الدولية بالنسبة للعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وما ارتكبته إسرائيل من اعتداءات على المدنيين وحصار وتجويع ومحاولات التهجير القسري وبما يتعارض مع أحكام القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وعدم الالتزام بالمسئوليات التي يضعها القانون الدولي على سلطات الاحتلال في تعاملها مع المدنيين في المناطق التي تحتلها ، وكانت جنوب إفريقيا قد تقدمت بدعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وذلك نتيجة لما تقوم به اسرائيل من مخالفات للقانون الدولي في قطاع غزة وتقدمت دولة جنوب إفريقيا بهذه الدعوى إلى المحكمة في 29ديسمبر 2023 وتقدمت بمرافعة مدعمة بالوثائق للتدليل على إدانة إسرائيل بالسعي للابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما طلبت جنوب إفريقيا في دعواها من المحكمة اتخاذ تدابير الحماية المؤقتة للفلسطينيين في قطاع غزة والهدف من هذه التدابير المؤقتة الحيلولة دون تفاقم النزاع وتزايد خطورته وقد دفعت إسرائيل بعدم اختصاص المحكمة وأن ما تفعله في غزة هو ما اطلقت عليه دفاعا شرعيا ولكن لم تأخذ المحكمة بذلك وأعلنت اختصاصها بنظر الدعوى واتخاذ تدابير لحماية المدنيين ولكنها لم تتخذ قرارا بشأن الالتزام بايقاف اطلاق النار، وقد كان لمصر مذكرة تقدمت بها إلى المحكمة ، كما كان لمصر أيضا مرافعة شفوية مهمة أمام المحكمة مما يعكس أن مصر قد تحركت أيضا على المستوى القانوني لدعم القضية الفلسطينية اضافة إلى المحاور الأخرى الدبلوماسية والإنسانية والسياسية ، وقد أعلنت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية اعتزامها التدخل رسميا في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الانتهاكات الإسرائيلية لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ويأتي اعلان مصر تدخلها في دعوى جنوب إفريقيا نظرا لتفاقم الأوضاع والتطورات الخطرة التي شهدها قطاع غزة ولارتفاع وتيرة العنف والمجازر ضد الفلسطينيين العزل ، فضلا عن أعمال العنف المسلح ضد المدنيين الفلسطينيين في رفح الفلسطينية، وتعطيل ادخال المساعدات الإنسانية وهو ما يهدد بمأساة انسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث يتعرض لها قرابة 2٫4 مليون فلسطيني، كما جددت مصر مطالبة مجلس الأمن، والأطراف الدولية بالتحرك الفوري لإيقاف اطلاق النار في قطاع غزة، ووقف العمليات العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية ، وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين.
ووجد إعلان مصر عزمها الإنضمام لدعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية أصداء ايجابية من جانب أطراف مختلفة على المستوى الفلسطيني والعربي ومن جنوب إفريقيا والتي رحبت بالموقف المصري والذي اعتبرته يطرح آثاره الهامة على الموقف القانوني في المحكمة ، ويعبر الموقف المصري بطبيعة الحال عن الإتجاه نحو التصعيد القانوني كرد فعل على الإنتهاكات الإسرائيلية، وفي ظل الإلتزام بقواعد القانون الدولي والإتفاقية الدولية، ورغم أهمية الأحكام والترتيبات والإجراءات القانونية إلا أن المفارقة تتمثل في أن المحكمة ليست جهة تنفيذ لهذه الأحكام، بل يكون التنفيذ من خلال مجلس الأمن باعتباره الهيئة التنفيذية للامم المتحدة ، والمشكلة التي تعطل التنفيذ هي استخدام حق الفيتو من أي عضو يتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن وهو الحق المتاح للدول الخمس دائمة العضوية حيث يؤدي ذلك إلى عرقلة اصدار مشروع قرار من مجلس الأمن على نحو ما تكرر عدة مرات في الأشهر الأخيرة نتيجة لاستخدام الفيتو الأمريكي، ويترتب على ذلك أيضا امكانية عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية باعتبار أن المحكمة لها ولاية قضائية ولا تعتبر جهة تنفيذ للأحكام، ويمكن القول إن مجرد اصدار قرارات أو أحكام من المحكمة يمثل قوة ضغط قانوني، وسياسي، وأدبي على الطرف المعتدي ويمكن أن يحدث تحولات في مواقف الأطراف الدولية المختلفة.
ويلاحظ انه في اطار الاتهامات القانونية ضد إسرائيل من القضاء الدولي أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان أنه قدم طلبات للمحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب وابادة ضد الإنسانية في حرب غزة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي جالانت باعتبارهما يتحملان المسئولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة و تجويع المدنيين ،اضافة إلى القتل المتعمد ضد المدنيين، بالإضافة إلى جريمة الإبادة، كما قدم فريق من المحامين من انحاء العالم أدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية لتعزيز دعوى أقاموها ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي، ومن المتوقع ان يكون لهذه القرارات من القضاء الدولي آثارها السياسية، والدبلوماسية، والقانونية في الفترة القادمة ضد الممارسات والجرائم الإسرائيلية.
لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين رابط دائم: