ونحن على مشارف انقضاء الشهر الثامن من العدوان الإسرائيلى على غزة، ثمة بعض الدلائل التى تومئ بأن إسرائيل وقعت تحت المحاصرة الدولية، وذلك على عكس ما كانت تزعم إسرائيل تماما. يأتى طلب رئيس المحكمة الجنائية الدولية باستصدار أمر باعتقال بنيامين نيتانياهو وجالانت وبعض من قيادات حماس، بمثابة ضربة قوية للنظام الإسرائيلى، لاسيما أنها تدعى دوما أنها فوق القانون، أو بمعنى أكثر دقة، أنها دولة لا يمكن الاقتراب منها، فهى دائما فى كنف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية، هذا القرار رغم صعوبة تطبيقه على أرض الواقع، فإنه يمثل تهديدا دائما لرئيس وزراء دولة الاحتلال، ووزير دفاعها. وصدور قرار الاعتقال يعنى تقرير وجود جرائم وإدانات تستوجب محاكمة قادة إسرائيل على ما ارتكبوه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطينى الأعزل.
الدليل الثانى، قرار محكمة العدل الدولية بأن توقف إسرائيل على الفور هجومها العسكرى أو أى أعمال أخرى فى رفح، لما يتضمنه ذلك من خطر على الشعب الفلسطينى، هذا القرار الذى أعلنت إسرائيل رفضه بمواصلة عملياتها العسكرية فى رفح، ثم ارتكاب مجزرة مساء الأحد الماضى بضرب مخيمات النازحين غرب رفح، يزيد الحصار الدولى على إسرائيل. وهو ما يعنى أنه ثبت لدى عدالة المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك محكمة العدل الدولية ما يؤكد أن إسرائيل ترتكب بحق الشعب الفلسطينى جرائم إبادة، تستوجب وقفها فورا، وكذلك محاسبة مرتكبيها.
كما وأنه فى الدليل الأول لم تمارس الضغوط الكافية لمنع قرار اعتقال نيتانياهو، أما فى الثانى، فكانت الضغوط أشد ، حتى صدر القرار بإيقاف الحرب فى رفح فقط. وتلك قراءة تشى بأن إسرائيل تخسر دعما دوليا كبيرا، مكنها عبر عقود مديدة، من ممارسة جرائمها دون حسيب أو رقيب، وهذا يحيلينا إلى الدليل الثالث المتعلق بإعلان كل من أيرلندا والنرويج و إسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين، والرقم مرشح للزيادة فى الأيام القادمة، وذلك يعنى بوضوح تام، أن إسرائيل تخسر خسائر فادحة، على المستوى السياسى الدولى. وأن ما سعت إليه منذ السابع من أكتوبر، وهو القضاء على حماس وعودة المحتجزين؛ لم يتحقق منه شىء حتى الآن، اللهم نجاحها فى هدم البنى التحتية لغزة و ما يفوق الـ70% من مبانيها، ولو علمنا قيمة ما تكبدته من خسائر فادحة فى العتاد أو قتلاها من العسكريين منذ 7 أكتوبر حتى الآن، قد نقول إن خسائرها العسكرية أكبر مما حققته على الأرض بكثير، وذلك ما قد يظهر بعدما تضع الحرب أوزارها.
الدليل الرابع، ما أعلنته حماس مؤخرا، من أسر جند إسرائيلى فى شمال قطاع غزة، إن صح ذلك البيان، يكشف عن فشل عسكرى إسرائيلى جديد يضاف لسلسلة ما حققته من فشل، لاسيما أن شمال قطاع غزة، قد فٌهم أنها باتت منطقة آمنة للجنود الإسرائيليين! وأنها قررت دخول رفح لحصار عناصر حماس للقضاء عليهم، لهروبهم إليها جنوبا!
ناهيك عما ورد لإسرائيل من صفقات ضخمة من الأسلحة من عدد من الدول، وهى الأحدث والأقوى فى العالم. ورغم ذلك لم تستطع تحقيق أى من أهدافها العسكرية، بل المفاجأة فى صمود حماس حتى الآن، وتكبيد إسرائيل خسائر عسكرية كبيرة، وآخرها ما وقع من جندها أسرى فى مخيم جباليا شمال القطاع.
الدليل الخامس، المظاهرات التى تطالب بإيقاف العدوان الإسرائيلى على غزة، أخذت بعدا دوليا ضاغطا على قادة الدول الحليفة لإسرائيل، فلم نعد نرى بيانات الدعم كما كانت بعد طوفان الأقصى، الأمر الذى جعل البعض يتنبأ بصدور عقوبات اقتصادية بحق إسرائيل إن لم يتوقف عدوانها على غزة، ويجب ألا نغفل ما لحق بالاقتصاد الإسرائيلى من خسائر كبيرة جدا، يستلزم الأمر وقتا يصل لعدة سنوات لتعويضها.
أما المظاهرات التى تشهدها إسرائيل نفسها من أجل استعادة المحتجزين، فتتصاعد يوما بعد يوم، لاسيما بعدما فشل قادتها فى استعادتهم كما أعلنوا منذ اليوم الأول للعدوان! وهكذا يتزايد الحصار دوليا، ويتصاعد داخليا على نيتانياهو، وهو موقف لم تتعرض له إسرائيل من قبل!
بعد اتصال الرئيس الأمريكى بالرئيس السيسى، لبحث عودة المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى وإيقاف الحرب، وكذلك سبل إنفاذ المساعدات للفلسطينيين، ثم دخولها من معبر كرم أبوسالم، الذى شهد دخول أعداد كبيرة من الشاحنات التى تحمل الأطعمة والإغاثات للفلسطينيين، لابد أن نشير إلى أمرين:
الأول، أنه ثبت سلامة وصلابة الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية، وأن مصر تملك رؤية صحيحة لحل الأزمة الراهنة، أعلنتها مرارا وتكرار منذ اليوم الأول للعدوان.
أما الأمر الثانى، يتعلق برؤية مصر لمعبر رفح، فهو فى الأساس معنى بدخول الأفراد، وكان دخول الشاحنات هو الاستثناء.
المجتمع الدولى الآن فى حالة مخاض عسير، فهو واقع بين ضغوط الشعوب التى ترى فى مجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين جرائم إبادة لا تقرها الإنسانية على الإطلاق، بل جاهد العالم المتقدم لوأدها. وفى الجانب الآخر، ما يحتمه الضمير الإنسانى من تحركات صوب المجازر الإسرائيلية.. هكذا تصبح إسرائيل التى طوقت غزة سنوات طويلة تعانى سياسيا وأمنيا، داخليا وخارجيا، وتبدو هى المحاصرة (بفتح الصاد) بعد أن كانت هى المحاصرة (بكسر الصاد).
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: