رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

اهتزاز مكانة إسرائيل عالميا!

لم تتخيل إسرائيل أو مواطنوها أبدًا مأزقًا أكثر شدة من الذى تواجهه منذ ٧ أكتوبر 2023. إن ردود الفعل العنيفة على الحرب المستمرة فى غزة قد تُكلِّف إسرائيل مركزها بين حلفائها.

لسنوات طويلة، كانت إسرائيل هى الابن المدلل، يعتبرها الكثيرون دولة ديمقراطية لها كل الحق فى الدفاع عن نفسها، وتُدعم بشدة من قبل دول الغرب. لقد تحطمت هذه الصورة، وتواجه إسرائيل، دوليا ومحليا، طريقا وعرا وشاقا.

فى البداية، تساءل العالم عن السبب وراء قيام حماس بمثل هذا الهجوم على الإسرائيليين الأبرياء فى ٧ أكتوبر. ببطء ولكن بثبات أصبحت الأحداث التى أدت إلى مثل هذا الهجوم واضحة: ٧٥ عامًا من الاستعمار والعنصرية.

وبعد ٦ أشهر تلوثت صورة إسرائيل لتجد نفسها فى مأزق: مستنزفة فى غزة، منقسمة محليًا، معزولة دوليًا، وعلى خلاف متزايد مع أقرب حلفائها.

بات إلمام العالم بالقضية الفلسطينية واضحا. ويتضامن الملايين مع الفلسطينيين من خلال الاحتجاج عن ازدرائهم.كما مُنح المعلقون المؤيدون للفلسطينيين الوقت على موجات الأثير الغربية لنشر وجهات نظرهم، وهو أمر لم يكن ممكننا من قبل. ومحللون أمثال باسم يوسف، الكوميدى الساخر، وحسام زملط، السفير الفلسطينى، ونورمان فينكلستين، الناشط المولود لأبوين يهوديين ناجيين من المحرقة، جميعهم ظهروا على الهواء مرات عدة ليتحدثوا علناً عن الأزمة التى تخلقها إسرائيل.

حتى جنود الجيش الإسرائيلى متواطئون فى إبراز وحشيتهم وانعدام أحاسيسهم فى مشاهد علنية على وسائل التواصل الاجتماعى. يطلق الجنود الإسرائيليون النار على رجال معصوبى الأعين وعزّل فى ظهورهم ويكدسونهم فى الخنادق، ويلعبون بالملابس الداخلية للنساء الفلسطينيات ويعتذرون عن عدم تمكنهم من العثور على أطفال فلسطينيين لقتلهم، ويكتفون بقتل طفلة تبلغ من العمر ١٢ عامًا. والعالم يستنكر أعمالهم باشمئزاز.

لدى إسرائيل تاريخ من الأكاذيب الرامية إلى كسب التعاطف الدولى. بعد ٧ أكتوبر، انكشفت الآلة الدعائية الإسرائيلية وانتهكت إسرائيل أيضًا قوانين الحرب الدولية وتجاوزت الحدود المقبولة: عدم السماح بدخول الغذاء والدواء والماء إلى منطقة محتلة، واستهداف المدنيين عمدًا مثل أبناء وأحفاد الزعيم السياسى إسماعيل هنية، وقصف السفارة الإيرانية فى دمشق، كلها تعنى خرق القانون الدولى.

لقد أثارت مشاهد الدمار فى مختلف أنحاء غزة قلق - حتى ـ أكثر أنصار إسرائيل حماسة، كما بدأ حلفاء إسرائيل يشعرون بالغضب إزاء نيات إسرائيل ورفضها الامتثال لإيقاف إطلاق النار. تحدد مقالة النيويوركر الصادرة فى ٢٧ مارس بوضوح التغيير فى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قائلة إن فكرة أننا نعطى كميات هائلة من المساعدات لدولة ترفض طلبنا بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية، لذلك يتعين علينا إسقاط الغذاء جوا، هى محرجة للولايات المتحدة.

لذلك، فإن أولئك الذين كانوا دائما متضامنين مع إسرائيل، اليوم يتخذون إجراءات ضد اسرائيل. أوقفت كندا مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل؛ وأعلنت إسبانيا وإيرلندا دعمهما حل الدولتين؛ ووبخت إيرلندا السفير الإسرائيلى علنا. وسحبت ايرلندا استثمارات بملايين اليوروهات من شركات إسرائيلية، وقد حظيت قضية الإبادة الجماعية من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بدعم الكثيرين. وحتى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى، مثل إليزابيث وارين، قالوا إن تصرفات إسرائيل فى غزة تعتبر إبادة جماعية؛ وشبّه لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل، العمل العسكرى الإسرائيلى بالمحرقة، فى حين قيدت تركيا الصادرات إلى إسرائيل فى ٥٤ منتجا بما فى ذلك الأسمنت والصلب والألومنيوم.

كما أن الوضع المحلى فى إسرائيل سيئ للغاية. يخرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع يوميا للاحتجاج على عدم قدرة الحكومة ونيتانياهو على إعادة الرهائن أو التغلب على حماس.

ومع اعتزامها تسوية غزة بالأرض، اتحد حزب الله بلبنان والحوثيون باليمن وحماس بغزة جميعهم ضد إسرائيل. وكإجراء انتقامى، شنت إيران هجومًا بطائرات بدون طيار وبالصواريخ على إسرائيل. وعلى الرغم من عدم إصابة أى أهداف تُذكر، أغلقت إسرائيل مجالها الجوى، وطلبت من المواطنين الاحتماء، وظلت المدارس والشركات مغلقة لليوم التالى؛ هالة من التوتر غير العادى أصابت إسرائيل.

كما أن الصمود فى وجه حرب طويلة الأمد له عيوب اقتصادية. مع اعتماد إسرائيل على احتياطيها المكون من ثلاثمائة ألف فرد ونزوح الآلاف على طول الحدود اللبنانية وانهيار قطاع السياحة، فقد أغلقت العديد من الشركات أبوابها. كان يبلغ عدد زوار إسرائيل أكثر من ٣٠٠ ألف شهريا واليوم تضاءل هذا الرقم إلى ٣٩ ألف زائر فقط، بينما غادر البلاد نصف مليون إسرائيلى. كما أن التطبيع مع الدول العربية على المحك. من المحتمل أن تكلف الأزمة الحالية إسرائيل خطة التطبيع التى كانت على وشك البدء فيها مع المملكة العربية السعودية.

لقد تحطمت المكانة التى اعتقدت إسرائيل أنها تمتلكها وشوهت الصورة التى طالما سعت إليها.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: