ظلت الأسعار ترتفع بشكل جنونى، دون رابط أو ضابط، وظل الناس أسرى ارتفاعها، يعانون ويلاتها، وكان التفسير الذى يسوقه التجار كمبرر للارتفاع هو الزيادات الكبيرة لسعر الدولار مقارنة بسعر الجنيه. كان ذلك التفسير هو السائد فى آونة سابقة، فقد كان ارتفاع الدولار يسير بوتيرة كبيرة دون معرفة السبب، لدرجة أن الدولار تحول من عملة إلى سلعة، وبدأ البعض فى المضاربة به، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح على حساب أى شىء آخر، ولا تهم مصلحة الوطن أو المواطن.
السلعة الأكثر وضوحا لتجسيد تلك الحالة كانت السيارات، كانت ارتفاعات أسعارها جنونية بمعنى الكلمة، فبين عشية و ضحاها يرتفع السعر بعشرات الآلاف من الجنيهات، وكان التفسير كما ذكرنا سابقا، هو ارتفاع سعر الدولار، لدرجة أنه كان يتم التسعير على اعتبار أن سعر الدولار تقريبا يساوى 100 جنيه وذلك على مدى عدة أشهر قادمة. كل ذلك كان يعجل بارتفاع السعر يوما بعد يوما بأرقام فلكية. رغم أن السيارة موجودة عند التاجر، وبمعنى أكثر وضوحا لم تتأثر بأى ارتفاع لسعر الدولار، وهنا بدأت تظهر مسميات غريبة، مثل الأوفر برايس، وهو مبلغ من المال قد يصل لنصف سعر السيارة الأصلى، يضاف لسعر السيارة، كل ذلك بغرض تحقيق مكاسب كبيرة جدا دون مبرر.
وكنت أجد بعض المنتجات كاللبن البودرة، تاريخ إنتاجه يعود لسنة سابقة، وكل فترة، نفس العبوة، بنفس تاريخ الإنتاج، يرتفع سعرها بنسبة كبيرة، حتى وصل السعر لثلاثة أضعاف السعر منذ عام تقريبا، كل ذلك مع نفس العبوة، أى أنه لم يطرأ عليها أى تغيير، ولم يتم استيراد عبوات جديدة.
والأمر يمكن قياسه على عدد لا حصر له من المنتجات، زيادات كبيرة تحدث، بمجرد أن يعلن السوق الموازى للسوق الرسمى للدولار حدوث ارتفاع، حتى وصل سعر الدولار فى هذا السوق الأسود إلى 73 جنيها تقريبا، فى تلك اللحظة وصلت الأسعار لأقصى ارتفاع، البضائع موجودة بالفعل، ولكن التجار يزيدون الأسعار بشكل عشوائى.
وبعد صفقة رأس الحكمة واتفاق صندوق النقد، وتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبى، وتدفق الدولار بدرجة كبيرة، مكنت مصر من الوفاء بكل التزاماتها. أزمة الدولار انتهت، كما قال رئيس مجلس الوزراء فى اجتماعه مع عدد من التجار منذ فترة قصيرة، مطالبا إياهم بحدوث تخفيضات فى الأسعار بشكل فورى بنسب لا تقل عن 20%، بل إنه أعلن بشكل واضح لكل من يتقاعس عن تخليص بضاعته من الجمارك بتطبيق قانون الراكد، بعد توفير العملة الصعبة لكل من يحتاجها من التجار.
فهل عادت الأسعار لسابق عهدها قبل حدوث تلك الزيادات الجنونية؟
الإجابة بكل تأكيد لا، فما حدث لم يلب طموحات المواطنين، فمازال عدد كبير جدا من المنتجات بأسعار مغال فيها جدا، أما المبررات فهى مستفزة.
أحد أهم تلك المبررات كما يسوقها بعض من التجار، أن الدولار ارتفع فى السوق الرسمى من بداية الثلاثين جنيها، إلى مشارف الخمسين، بنسبة قد تصل إلى 50%، والحقيقة أن هذا الزعم مغلوط و مستفز للغاية.
لأن التجار كانوا يسعرون منتجاتهم على سعر الدولار يساوى 100 جنيه مصرى، وما حدث فى الحقيقة، هو نزول سعر الدولار من 100 جنيه « تسعير مستقبلى» لـ 47 جنيها تقريبا، وهو ما يعنى أن الأسعار لابد من نزولها بنفس النسبة. أى تقل إلى النصف تقريبا. أضف إلى أنه للمرة الأولى منذ شهور كثيرة، يتوافر الدولار فى البنوك، بل إن الحكومة قامت بعمل حصر مبدئى للرقم الذى يحتاجه السوق من العملة الصعبة و قامت بتوفيره للتجار فى البنوك.
ومرة أخرى يكشف سوق السيارات عن وجهه، ورغم أن السيارة ليست سلعة أساسية، إلا أنها سلعة مهمة وكاشفة، فقد أعلن عدد من التجار عن نزول سعر السيارات بمبالغ كبيرة، ولكنها من قيمة الأوفر برايس، أى السعر الوهمى غير الحقيقى، ومازال هناك أوفر برايس، حتى لو قل بنسب ضخمة، إلا أنه مازال هناك، وكأنه واقع لابد من التعامل معه وفق مقتضيات التجار!
ولنكون منصفين، هناك منتجات كالدواجن، لن يظهر تخفيض حقيقى لسعرها، إلا بعد مرور وقت قرابة الشهرين على الإفراج الجمركى للعلف، حتى تنتهى دورة التسمين، ومن ثم البيع، قد تظهر فى منتصف الشهر القادم، وقتها لابد أن يشعر المواطن بتخفيض ملموس ومرض فى سعر الدواجن ومنتجاتها كالبيض، وأيضا اتساقا مع أسعارها، قد يحدث انخفاض فى سعر الأسماك واللحوم الحمراء.
ولأنه لا توجد معلومة، عن حجم البضائع التى تم الإفراج عنها من الجمارك الأسابيع الماضية، ولا أنواعها، ومن ثم لا يمكن الجزم بما يوجد بشكل حقيقى فى الأسواق، كما لا يمكن أيضا الجزم بالأسعار الحقيقية لتلك البضائع، يظل المواطن أسير ما يعرض عليه، لأنه لا حيلة له فى الأمر.
لذلك أعرض الحل التالى، والأمر بيد الحكومة، عليها أولا، الإعلان عن كمية البضائع التى تم الإفراج عنها من الجمارك، ومن ثم تأثير ذلك على الأسواق، لأنها تعلم بشكل يقينى، الكميات التى يحتاجها المواطن، فمثلا، مصر تحتاج سنويا عدد « س» من السكر، فلو علم المواطن أنه تم الإفراج عن كمية تكفيه لمدة 6 أشهر، وقتها يتعامل على هذا الوضع، ويرفض وجوده بسعر مبالغ فيه.
وعلى التوازى، توفر الحكومة السلع بتنوعها فى منافذها بالأسعار المعقولة، لتجبر التجار على البيع بأسعار منافسة، وهذا حل بديل للتسعيرة الجبرية.
لأننا فى ظل معترك يخوضه المواطن، محملاً بآمال قرب انتهاء أزمة الأسعار التى أنهكته، وهو ينتظر أن يحصد الآن ثمار صبره.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: