رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الملكية الخاصة والعامة وتخارج الدولة

أيهما أكثر تحقيقا لمصلحة المجتمع: الملكية العامة أم الملكية الخاصة للاستثمارات ووسائل الإنتاج؟ هذه هى القضية الأهم التى ينقسم حولها المجتمع الحديث، فنجد اليسار ينحاز للملكية العامة، فيما ينحاز اليمين للملكية الخاصة. يصدق هذا أيضا على المجتمع المصرى، حيث نجد أحزاب اليسار بأطيافه المختلفة، مثل التجمع والناصرى والديمقراطى الاجتماعى يقاومون تصفية الشركات العامة (الحديد والصلب نموذجا)، كما يقاومون بيع الشركات العامة، المعروف بالخصخصة. مازالت مشاعرنا فى مصر ممزقة بين الملكية العامة والخاصة. لقد أتت علينا فترة خصصنا فيها الكثير من الموارد للاستثمارات العامة. اتجهنا بعد ذلك للتخلص من الاستثمارات العامة وبيعها للقطاع الخاص، لنعود بعد فترة للتركيز على الاستثمارات العامة. يبدو أننا ذهبنا بعيدا فى هذا الاتجاه، وتكالبت علينا المشاكل، فقمنا بتغيير الاتجاه مرة جديدة، وأصدرنا وثيقة تشجع تخارج الدولة من المشروعات الاقتصادية.

تراجيديا الملكية العامة، هى معالجة نظرية شهيرة لدارسى الإدارة العامة والاقتصاد، تدور حول التدهور الذى تتعرض له الموارد المملوكة بشكل جماعى بسبب عدم وجود مسئولية محددة أو مصلحة لفرد أو أفراد معينين فى رعاية المورد المملوك بشكل جماعى. هذه ظاهرة ملحوظة فى أغلب البلاد التى أخذت بنظام الملكية العامة لوسائل الإنتاج، فوجدنا اقتصاد الاتحاد السوفيتى ينهار تماما فى منتصف الثمانينيات، وكان يمكن للصين أن تلحق بنفس المصير لولا الإصلاحات التى تم إدخالها فى نهاية السبعينيات. أما فى مصر فقد شهدنا مشروعات كانت مزدهرة قبل تأميمها، لكنها دخلت بعد التأميم فى موجة خسائر وتراجع متواصلة، ومشروعات عامة بدت واعدة عند تأسيسها فى كنف الدولة، لكنها سرعان ما فقدت بريقها، ودخلت فى مسيرة تراجع طويل الأمد. وكدليل إضافى، فإن ربع إجمالى الناتج الزراعى فى الاتحاد السوفيتى السابق كان يأتى من أربعة بالمائة فقط من الأرض الزراعية، وهى النسبة من الأرض التى كان مسموحا للفلاحين زراعتها كملكية خاصة بعيدا عن تدخل الدولة. أما فى الصين فقد تضاعف حجم الناتج الزراعى فى غضون أربع سنوات بعد أن تمت استعادة الملكية الخاصة للأرض الزراعية فى عام 1978.

هناك أسباب إضافية لخسائر المشروعات العامة التى يديرها موظفون حكوميون، فدورة حياة الاستثمار الاقتصادى تحكمها قواعد تختلف عن دورة الحياة المهنية للموظف الحكومى المسئول عن إدارتها، بحيث يؤدى التباين بين الدورتين إلى فشل الاستثمار العام. تأسيس المشروعات الكبرى والوصول بها إلى مرحلة النضج والربحية القصوى يستغرق سنوات طويلة قد تزيد على الفترة التى يقضيها الموظف العام فى منصبه. الموظف العام يتولى المسئولية لسنوات محددة تحكمها قواعد الترقى والإحالة للتقاعد، ليتولى المسئولية من بعده موظف آخر ربما لم يكن هناك عندما تم وضع تصميمات المشروع وخطط عمله. يصعب تأسيس وإدارة مشروعات ناجحة بهذه الطريقة، فالنجاح يحتاج إلى قدر كبير من الشعور بالملكية والتماهى بين المشروع والقائمين عليه. هل يمكن لاستثمارات عامة تدار بهذه الطريقة أن تنتج لنا شركات ناجحة مثل مايكروسوفت وأبل وتسلا وفولكس فاجن وتويوتا؟

هناك دائما موظفون مخلصون يبذلون جهدا فائقا لإنجاح الاستثمارات العامة. المشكلة هى أن أى جهد إضافى يبذله الموظفون المخلصون لزيادة عائد الملكية العامة سيتاح لكل الموظفين الآخرين الاستفادة منه بسبب الطبيعة العامة للملكية ونظام العمل، وهو ما يتسبب فى إحباط جهود المخلصين. هؤلاء المخادعون الذين يستفيدون من عوائد لم يسهموا فى خلقها هم ركاب بالمجان، وهم من نوعية المزوغاتى الذى يركب القطار دون أن يدفع ثمن التذكرة، ولسان حاله يقول لماذا أدفع مادام القطار سيقطع هذه المسافة فى كل حال، ومادام الركاب الآخرون سيتولون دفع التكلفة، وهم على أى حال لن يخسروا شيئا لو أنهم أخذونى معهم فى رحلتهم بلا مقابل، فكلنا سنصل فى النهاية إلى وجهتنا المبتغاة.

تراجيديا الملكية العامة، ودورة الحياة المهنية للموظف العمومى، وخداع المزوغاتى هى مشكلات حقيقية يجب التعامل معها فى كل أشكال الملكية العامة. فى المصنع المملوك ملكية عامة لا يوجد ما يدعو العاملين لبذل أى جهد مميز يزيد على المتوسط العام للجهد الذى يبذله كل عامل متوسط المهارة والجدية والإخلاص. السبب فى ذلك هو أن من يبذل الجهد المميز لن يستطيع أن يحتفظ بعائد هذا الجهد لنفسه، ولن يستطيع منع زملائه العاديين من مشاركته عائد هذا الجهد. الاستثمارات المختلفة، سواء كانت مصانع أو متاجر أو مزارع لا تنجح فى اجتياز المنافسة الحادة فى الأسواق عبر الجهود المعتادة لعمال وموظفين متوسطى الأداء، لكن عبر الجهود الفائقة والتكريس والابتكار الذى تقدمه مجموعة مميزة تحتل مواقع استراتيجية فى توجيه الأمور وصنع القرار، والذين يكونون عادة هم الملاك الفرديين لهذا الاستثمار. غياب الملاك الفرديين عن الاستثمارات العامة يعنى أن أحدا ليس لديه الحافز لبذل جهد مميز، وبالتالى فإنه لن يكون من الممكن منع المشروع المملوك ملكية عامة من التدهور، بالضبط كما توقعت نظرية تراجيديا الملكية العامة.

الأمريكيون والأوروبيون وجدوا حلا ذكيا لهذه المشكلة، فاتفقوا على ترك الاستثمارات فى أيدى أصحابها، يجربون فيها إبداعاتهم فى الابتكار والإدارة، ليفرضوا عليها بعد ذلك ضرائب تصاعدية تمول الدولة وتحقق التوازن الاجتماعى. اليمين واليسار فى هذه البلاد لا يتصارعان حول شكل الملكية، وإنما حول نسبة الضرائب التى يجب دفعها للدولة، وهذا صراع بناء وأكثر جدوى من الصراع حول شكل الملكية.


لمزيد من مقالات د. جمال عبدالجواد

رابط دائم: