يهل شهر رمضان هذا العام فى أجواء تخيم عليها الكآبة والشعور بالعجز والإحباط والقلق والتوتر والألم للمصير المجهول، وتغيب عنها كل مظاهر الاحتفال بسبب ما تشهده منطقتنا من أوضاع اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة.
فى فلسطين، يخيم الحزن على كل بيت فلسطينى بسبب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، الذى دخل شهره السادس، وخلف استشهاد أكثر من 31 ألف فلسطينى، وطرد معظم السكان من منازلهم التى تعرضت للتدمير، أو نزحوا منها من شمال القطاع الى جنوبه، ودفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة. ويخضع المسجد الأقصى، منذ بدء الحرب، لحصار إسرائيلى مشدد، وقيود على دخول المصلين إليه، وسط تلويح إسرائيلى بتقييد أعداد المصلين فيه خلال رمضان.
وفى قطاع غزة، أدت الحرب إلى انعدام مقومات الحياة لسكان القطاع، وخلفت شحا شديدا فى المواد الغذائية، التى تضاعفت أسعارها بصورة كبيرة. ويهل شهر الرحمة والمجاعة تهدد سكان القطاع. ومن المتوقع ان تزداد الأوضاع سوءا فى ظل إغلاق المعابر، بحيث ان عمليات إسقاط المساعدات جوا لا يمكن أن يكون بديلا عن إدخال الشاحنات برا.
فى السودان، يهل شهر الصيام والشعب السودانى يمر بحالة من عدم اليقين. مع وجود أكثر من 6٫3 مليون نازح فى دور الإيواء والمدارس والجامعات، هربوا من القتال المستمر بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضى، فهم يعتمدون على مساعدات إغاثية لا تصلهم غالبا بسبب القتال. ويحتاج نصف السكان، أى ما يعادل 25 مليون شخص، إلى المساعدات الاساسية. ويعانى حوالى 18 مليونا انعدام الأمن الغذائى الحاد، مع تسجيل تقارير عن وفاة أطفال بسبب سوء التغذية. يشكل انعدام السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها هاجسا يوميا للمواطنين الذين يتطلعون لإنهاء الحرب.
فى اليمن، يستقبل اليمنيون شهر رمضان فى ظروف معيشية صعبة تتلاشى معها فرحة استقبال شهر الرحمة والمغفرة. حالة الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات خلقت أزمة إنسانية صنفت ضمن الأسوأ فى العالم، وازدادت تعقيدا خلال الفترة الأخيرة التى شهدت توترات إقليمية طالت اليمن بشكل مباشر وأثرت على وضعه الاقتصادى والاجتماعي. تشير تقارير اممية إلى أن 17٫6 مليون شخص (من أصل 35 مليونا) يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد عام 2024.
ويستقبل اليمنيون رمضانهم العاشر دون أفق لحل الصراع فى البلاد، إضافة لاستمرار تدهور العملة المحلية وارتفاع حاد فى الأسعار. ومنذ مطلع العام الحالى يشن التحالف الذى تقوده واشنطن غارات تستهدف مواقع الحوثيين فى مناطق مختلفة من اليمن ردا على هجماتهم فى البحر الأحمر، الأمر الذى أثر على كمية البضائع المستوردة إلى اليمن عبر البحر.
فى لبنان، حيث يحظى شهر رمضان بأهمية خاصة لدى المسلمين، بدا الاحتفال بهذا الشهر ضئيلا فى الشوارع والأماكن العامة، بسبب الازمة الاقتصادية غير المسبوقة التى تشهدها البلاد منذ 2020، والتى أدت إلى انهيار قياسى لقيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح الوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين. كما فاقمت الحرب على قطاع غزة والتوترات جنوبى البلاد مع إسرائيل من الأوضاع داخل لبنان، وجعلت مظاهر الفرح والاحتفال ضئيلة مقابل تصاعد حالة اليأس من المصير المجهول.
فى ليبيا، يأتى شهر رمضان فى ظل أزمة اقتصادية خانقة، حيث يشهد الاقتصاد الليبى انهيارا بشكل كبير، بينما تواصل قيمة الدينار الليبى الهبوط. نفس الأوضاع تعيشها سوريا، خاصة النازحين فى الشمال السورى الذين يعيشون أوضاعا معيشية مزرية داخل المخيمات. هكذا تبدو أجواء رمضان فى الدول العربية المتأثرة بالحروب والصراعات، اما باقى الدول العربية ففى أغلبها يواجه المواطنون تحديات كبيرة فى تأمين احتياجاتهم اليومية، خاصة مع ارتفاع التضخم والأسعار. فى المغرب، مثلا، حيث العادات الاستهلاكية خلال رمضان تختلف عن غيره من الشهور، يأتى هذا الشهر الفضيل وظروف المواطن المعيشية لا تزال صعبة. مع حرب أوكرانيا، وتوالى الأزمات الداخلية، بداية من آثار زلزال الحوز، وصولا إلى تحديات الجفاف، يمر الاقتصاد المغربى بأزمة تضخم غير مسبوقة، ما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أصحاب الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
فى ظل هذه الأوضاع الإنسانية والاقتصادية يصعب الاحتفال بشهر الصيام كما يليق به، لكن تبقى طقوسه الروحانية غامرة القلوب، وتبقى الكفوف مرفوعة للسماء بان يرفع الله عنا الحرب والغم والبلاء.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: