فى اليوم الـ 150 للعدوان الإسرائيلى على غزة، يمكن تأكيد بعض النتائج الواضحة، أولها، أن إسرائيل تقوم بعمليات إبادة جماعية بطرق منظمة تماما. نجحت من خلالها فى قتل ما يقارب الـ 32 ألف شهيد، وجُرح أكثر من 71 ألف إنسان، أكثرهم من الأطفال والنساء، عدد كبير منهم على وشك الموت بسبب نقص الإمكانات الطبية، بخلاف أعداد لا يمكن حصرها تقبع تحت ركام الأنقاض. بعد هدم ما يزيد على 80% تقريبا من كل مبانى غزة.
ثانيها، عملت إسرائيل على نزوح الفلسطينيين جنوبا، وكلما نزحوا فى جماعات، قتلت منهم أعدادا كبيرة جدا، والمبرر بات محفوظا، فقد كان بينهم أفراد من حماس. والمزاعم فى هذا الشأن كثيرة، منها ما فعلته بالمستشفيات، وثبت بعدها كذب إدعاءات إسرائيل.
ثالثها، لم تنج بناية من القصف الإسرائيلى، مستشفيات، مدارس.. ألخ، دٌمرت بالكامل، حتى بعد أن تم اتخاذها كملاجئ للنازحين، دٌمرت، وبات حطامها كالأشلاء. ويمكن تأكيد تدمير البنية التحية بالكامل، بشكل تستحيل معه الحياة على الإطلاق.
رابعها، لم تعد تخيف إسرائيل أى من الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان، فهى لا تعتبر الفلسطينيين لهم تلك الحقوق، بل على العكس، تصريحات رسمية من مسئولين إسرائيليين بارزين، تمنوا قصف غزة بالقنابل الذرية!! وهذا ليس غباء سياسيا، ولكنه فٌجر غير مسبوق على الإطلاق.
خامسها، تندد الولايات المتحدة بالوضع الإنسانى الشاذ فى غزة، على لسان رئيسها، بأن الوضع فى غزة فاق الحدود، ولكنها تمنع من خلال حق الفيتو أى قرار فى مجلس الأمن يوقف تلك الحرب الهمجية. أما الأكثر غرابة فهو إعلانها إرسال معونات لغزة، وهى نفسها ترسل لإسرائيل دعما عسكريا كبيرا جدا، وتعلن أنه من أجل حربها على غزة!!
سادسها، يبدو للمتابعين، أنه ليس ثمة تحرك إيجابى دولى متشدد، بدأ، أو قارب أن يبدأ، يوقف ذلك العدوان الإسرائيلى على أبرياء عٌزُل، لا حول لهم و لا قوة، بل أتذكر حينما حٌبست هرة صغيرة فى إحدى شرفات البنايات المرتفعة، منذ فترة ليست بالصغيرة، أن تحركت قوة أمريكية من قوات الدفاع المدنى، وبذلت جهودا كبيرة، حتى استطاعت انقاذ الهرة الضعيفة. ولكن مع الفلسطينيين، الوضع مختلف فلم يقفوا على طرف حقوق الهرة الأمريكية.
سابعها، خسرت إسرائيل جراء العدوان على غزة خسائر اقتصادية غير مسبوقة، حيث نزف اقتصادها بشكل مؤلم، قدره البعض بما يفوق الـ 70 مليار دولار حتى نهاية فبراير.وليستعيد اقتصادها جزءا من عافيته قريبا، لابد من وقف الحرب فورا، بما يعنى أن استمرار العدوان الإسرائيلى، يعنى على التوازى استمرار خسائر الاقتصاد. ومع ذلك التصريحات الواردة إلينا من إسرائيل غير مبشرة، لماذا؟ لأن هناك دعما ماديا وعسكريا غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية أخرى!!
ثامنها، يبدو موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى واضحا، لا توقف للحرب، حتى تحقق أهدافا لن تتحقق إلا بعد إبادة مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو ونحن جميعا نعلم أن مستقلبه ينتهى بتوقف الحرب، لاتهامه بجرائم فساد ثبتت فيها ادانته، بخلاف إدانته السياسية فى الحرب الدائرة، لذلك مستقبل نيتانياهو فى جهة، ومستقبل الشعب الفلسطينى بالكامل فى جهة أخرى. وتلك معلومات يعلمها القاصى والدانى، ومع ذلك العدوان مستمر، من أجل رجل واحد يباد شعب بأكمله، فمتى تتحرك الإنسانية العمياء العرجاء، لوقف تلك المهانة والمذلة غير المسبوقة فى تاريخ البشرية.
تاسعها، لم تتحرك الجبهة الداخلية الإسرائيلية بالكيفية التى تٌعجل بنهاية الحكومة الحالية، وبما يوقف الحرب الدائرة تماما، وصولا لحل ينهى النزاع بشكل دائم، من خلال حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتلك خطوة لو تمت لانتهت الحرب على الفور، فهل ذلك يعنى عدم رغبة الشعب الإسرائيلى فى العيش بسلام؟ عاشرها، تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى معروف للعامة، وليس بسر، ومعروف كيف جاءت إسرائيل لفلسطين، وكيف اغتصبت الأرض العربية، وأنها دولة احتلال، مازالت تحتل أراضى عربية حتى الأن، ولم تسع دولة عربية من جيرانها إلى الاعتداء عليها، وكل ما يحدث هو محاولات لاسترداد الأرض المحتلة. مرة أخرى محاولات لاسترداد الأرض المحتلة، ويصور الإسرائيليون أن الفلسطينيين أصحاب الأرض، أصحاب الحق هم المعتدون!! والأغرب أن هناك من يسوق لذلك!! أخيرا، هناك من لا يرغب فى نهاية العدوان الإسرائيلى على غزة، مع استمرار إحتلالها للأراضى العربية، لأن العكس معناه سلام دائم شامل، وهو فى المقابل يعنى أن يتوقف الإرهاب، فلا مجال له، كما يعنى توقف العشرات من مصانع الأسلحة، وهو أيضا يعنى تحقق خسائر مادية ضخمة جدا لأصحاب تلك الصناعات. وهو ما لا يمكن السماح به. على مدى عقود مضت، لم يطلب الفلسطينيون غير دولة تجمعهم، على حدود ارتضوها، كما ارتضوا التنازل عن أجزاء من أرضهم لإسرائيل، وأعلنوا أن حدودهم هى حدود 4 يونيو 1967، ورغم ذلك، لم تهدأ إسرائيل وتمادت فى بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية المحتلة دون مبرر، رغم وجود أراض فضاء كثيرة فى أماكن متعددة، ولكنه الصلف الإسرائيلى، الذى لا يريد سلاما، ولكنه يريدها حربا وخرابا، لا ينتهى. حتى تظل المنطقة على فوهة بركان لا يهدأ. لقد أثبتت الأيام والمواقف أن إسرائيل ليست بالقوة التى تحاول إظهارها، لأنها بعد 150 يوما من العدوان على شعب أعزل، لم تنجح سوى فى تحرير رهينتين فقط، 150 يوما، أٌستعملت فيها أكثر أنواع الأسلحة فتكا منها المحرم دوليا، وأحدثها على الإطلاق، ومنها من تم تجربته للمرة الأولى، حتى إذا حقق نجاحاً يتم التسويق له بشكل جيد. كل ذلك و لم نر نجاحا عسكريا يمكن أن نسميه!!
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: