لا ينفصل الأداء السياسى للاتحاد السويسرى عن خرائط الطريق التى يرسمها بدقة وعناية المكتب الفيدرالى للإحصاء فى ضوء خبرة تقترب من 165 عاما فى هذا المجال. وتضع الإدارة السويسرية أرقامه وإحصاءاته على قمة معطياتها للبت فى كثير من الأمور، باعتبارها الفنار الذى يهدى فرق العمل المختلفة فى الكيان الحكومى والخاص كذلك، لوضع الخطط والإستراتيجيات وقياس النتائج وتعديل المسارات، وهو ما يتفق بالطبع وما هو معروف عن سويسرا بلد الساعات والبنوك من دقة جعلتها تتربع على واحد من أكثر النظم الاقتصادية استقرارا فى أوروبا دون أن تكون عضوا فى اتحادها.
وقد كشفت أحدث إحصاءات وبيانات للمكتب الفيدرالى للإحصاء عن كثير من التفاصيل المتعلقة بنوعية الحياة التى تؤهل سويسرا للاستمرار قدما فى مسيرة تقدمها السياسية، التى يصفها البعض بالبطء والثبات فى الوقت نفسه. وتتضمن البيانات معلومات عن الحياة فى المدن الرئيسية التسع فى سويسرا من حيث الدخل، والمساحات الخضراء، ووسائل النقل، ومستوى الأمن، وتوافر الفعاليات والعروض الثقافية وأفضل أوقات السفر.
ولا تعتمد إحصاءات المكتب على تفضيلات أو مؤشرات شخصية للحكم، وإنما تميل استبياناته وجمعه للمعلومات بواسطة باحثين وموظفين مدربين لرسم حدود أكثر موضوعية لمفهوم نوعية الحياة فى المقاطعات السويسرية حيث يقدم برنامج إحصاءات المدن، تحت إشراف المكتب الفيدرالى للإحصاء، نقاطا للمقارنة حول عدة جوانب من الظروف المعيشية فى المدن السويسرية وتجمعاتها. فى المجمل، وللحصول على نتائج دقيقة ومنذ العام 2011، تم تسجيل ما يقرب من مائتى مؤشر فى مدن بازل وبرن وجنيف ولوزان ولوسيرن ولوجانو وسانت جال وفينترتور وزيورخ، وتتضمن المؤشرات: الأبعاد المادية الملموسة مثل الدخل والعمل والسكن، وغيرها لكن أيضًا مجالات كالصحة وفرص التدريب وجودة البيئة والأمن الشخصى والمشاركة المدنية أو حتى التوازن بين الحياة المهنية والحياة الخاصة.
> خبرة المكتب الفيدرالى للإحصاء تقرب من 165 عاما
كشف الإحصاء عن أن زيورخ هى عاصمة المال والتجارة السويسرية بحق، حيث تعد الأكثر جاذبية من حيث التوظيف والعمل وبمعدل البطالة الذى يقل عن 2%، متفوقة على برن العاصمة الإدارية وجنيف المدينة الدولية الأشهر، حيث بلغ معدل النشاط فى المدينة عام 2022 نحو 83.2% مع متوسط دخل سنوى خاضع للضريبة يتجاوز 70 ألف فرنك.
أما فيما يتعلق بالسكن، فإن مقاطعة جنيف تعد غير جاذبة للاستقرار والسكن بسبب التجمعات السكانية المزدحمة نسبيًا، وضوضاء المرور المرتفعة، والمعدلات المتدينة للمساكن الشاغرة، وتوفيرها لأدنى متوسط مساحة معيشة للشخص الواحد فى البلاد.، فضلًا عن مجيئها فى المركز الثانى بعد زيورخ فى قائمة أعلى متوسط للإيجار الشهرى فى سويسرا بواقع 20.5 فرنك للمتر المربع، مما يجعلهما من أغلى المدن معيشة فى الاتحاد.
فى الوقت نفسه، لا يخجل الإحصاء من لفت الأنظار إلى مؤشرات سيتم أخذها فى الاعتبار لاحقًا، حيث حصلت لوجانو فى القسم الناطق بالإيطالية فى البلاد فى تناقض واضح على لقب المدينة الأكثر إخضررًا ولكن الأعلى تلوثا أيضَا، وذلك بسبب احتوائها على أكثر المناطق المشجرة ومناطق الاستجمام وكذلك تلوث الهواء فيها بتركيزات الغبار الناعم وثانى أكسيد النيتروجين والأوزون حيث بلغت النسبة فى مدينة تيسينو 3 على مقياس من 1 إلى 6، بينما تتركز فى المدن الأخرى عند 2.
أما فيما يتعلق بالسلامة الشخصية ومعدلات الجريمة ومخاطر حوادث الطرق والأخطار الطبيعية، فقد سجلت مدينة بازل أكبر عدد من جرائم العنف فى سويسرا عام 2022، بمعدل 14.75 جريمة لكل 1000 نسمة. أما فيما يتعلق باقتحام المنازل، تأتى مدينتا بازل وجنيف الحدوديتان فى المقدمة، بنسبة تقترب من 6 عمليات سطو لكل 1000 نسمة على التوالى فى مدينة جنيف وحوالى 5 فى مدينة بازل. ومع ذلك تظل المدن الناطقة بالفرنسية كجنيف ولوزان، المدينتين الأكثر ملاءمة عمليا للحياة اليومية فيما يتعلق بالصيدليات أو الأطباء أو المدارس، باستثناء المتاحف حيث تكسب لوجانو قمة قائمة المقاطعات من حيث عدد المتاحف. بينما تعد برن العاصمة الإدارية هى المدينة الوحيدة فى سويسرا التى تقدم أكثر من ثمانى دور سينما أو مسارح أو متاحف لكل 100 ألف نسمة.
الجدير بالذكر أن المكتب الفيدرالى أو الاتحادى للإحصاء، بدأ عمله قبل 165 عامًا وبالتحديد عام 1860 بعد اثنتى عشرة سنة فقط من تكوين الاتحاد السويسرى عام 1848، بأربعة موظفين أشرفوا على أول تعداد سكانى مختصر فى البلاد بهدف “التوزيع العادل لمقاعد المجلس الوطني” و»إحصاء عدد الجنود وعدد البنادق المتوافِّـرة لدى الأسَـر السويسرية”، وقد تم ذلك فى ركن من أركان مكتبة البرلمان الاتحادى فى العاصمة الإدارية برن، لتتطور أعماله بعد ذلك ويحتل المكتب مع مطلع الألفية الثالثة مقرًا زجاجيًا مميزًا من حيث الموقع والمبنى فوق إحدى مرتفعات مدينة نوشاتيل. وتعدد مهامه وتشعب عملياته التى يقوم بها، والتى من بينها إصدار ونشر وتوزيع مئات النشرات السنوية ومعالجة وتحليل البيانات المتعلقة بكافة مناحى المعيشة والحياة فى الاتحاد السويسرى المكون من 26 مقاطعة فيما بتعلق بالتِـعداد السكانى والاقتصاد والسياسة ومعدلات الجريمة أو الهجرة وأعداد اللاجئين والموظفين الدوليين، وغيرها من الإحصاءات، لتنتقل ميزانيته من خانة عدة آلاف من الدولارات إلى كيان يعمل فى إدارته وتشغيله ما لا يقل عن ألف موظف وتقترب ميزانيته من مائتى مليون فرنك سنويًا.
رابط دائم: