رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة الجفاف والماء فى المغرب.. التداعيات والحلول

للعام السادس على التوالى، يواجه المغرب تحديا حقيقيا بسبب الجفاف وسط مخاطر تهدد سكان بعض المناطق بالعطش، وتهدد القطاع الزراعى، الذى يبقى محوريا للاقتصاد المغربى، إذ يشغل نحو ثلث السكان النشيطين، ويمثل نحو 14% من الصادرات، بالإضافة الى تأثر قطاعات النسيج والألبسة والجلد، وكذا القطاع السياحى بندرة المياه. أزمة الجفاف لها تداعيات اقتصادية كبيرة بحيث يمكن أن تؤدى إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادى، وارتفاع نسبة البطالة، إذ يؤدى انخفاض الإنتاج الزراعى إلى تسريح العمالة فى هذا القطاع، وارتفاع معدلات التضخم وزيادة هجرة السكان من القرى والمناطق الفلاحية إلى المدن.

بسبب تغير المناخ وتوالى سنوات الجفاف وعدم ترشيد استخدام المياه، مقابل ارتفاع درجة الحرارة، تعيش المملكة أزمة مائية حادة. تسبب انحباس الأمطار لسنوات متتالية فى تدن كبير فى مستوى الأنهار المعروفة، على غرار نهر ملوية (أحد أكبر أنهار المغرب) الذى بات عاجزا عن الوصول إلى مصبه للمرة الأولى فى تاريخه بسبب الجفاف الشديد وكثرة الاستهلاك. وفى الوقت الذى تراجعت فيه المياه السطحية بسبب الجفاف، تتعرض المياه الجوفية لاستنزاف كبير نتيجة الاستعانة بها لتوفير مياه الشرب، والنشاط الزراعى المكثف، خصوصا بعض الزراعات التى تستنزف المياه. تشير تقارير رسمية إلى أن 88% من المياه فى المملكة تستخدم فى السقى.

لمواجهة الجفاف، كان المغرب يعول بشكل كبير على السدود كإستراتيجية مائية لسد نقص الأمطار. لكن تراجع هطول الأمطار خلال السنوات الماضية بنسبة 67 فى المائة مقارنة بالمتوسط السنوى، وارتفاع درجة الحرارة أدى الى خفض نسبة ملء السدود بشكل واضح. للحد من تداعيات هذه الأزمة، سارع ملك المغرب إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تتمثل فى تعبئة السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة، وكذلك تقييد استعمال مياه الرى وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك، فضلا عن تسريع مشاريع استراتيجية كالسدود ومشاريع الربط بين الأحواض المائية، واستخدام المياه العادمة المعالجة. وأقرت الحكومة فى وقت سابق برنامجا وطنيا للفترة الممتدة بين 2020 و2027، للتزود بالمياه لاستخدامها فى الشرب والرى باستثمارات تبلغ 12 مليار دولار، كمحور الرباط - سلا الذى استفاد من تحويل فائض مياه حوض نهر سبو إلى حوض نهر أبى رقراق، وكذلك البدء فى تشغيل محطات لتحلية مياه البحر، فى مدينتى أكادير وآسفى.

لدى المغرب حاليا 150 سدا كبيرا بطاقة تخزينية تصل إلى 19٫1 مليار متر مكعب، مقابل 17 سدا لا تزال قيد الإنشاء، إضافة إلى 137 سدا متوسطا و129 سدا صغيرا. ويمتلك المغرب 9 محطات لتحلية مياه البحر تنتج نحو 147 مليون متر مكعب فى السنة، إلى جانب 3 محطات تنتج المياه للإنتاج الزراعى والصناعى. وتخطط المملكة لإنشاء سبع محطات جديدة لتحلية مياه البحر بنهاية عام 2027، بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا.

رغم هذه الجهود، وفى ظل عدم ترشيد استخدام المياه وتعرضها للاستهلاك المفرط رغم ندرتها، هناك مخاوف جدية بأن ينتقل الوضع إلى ما هو أسوأ. ضعف فعالية آليات المراقبة، والتعامل غير العقلانى من طرف الفلاحين الكبار، وسوء إدارة أزمة المياه من قبل السلطات ولجوء بعض المدن إلى استخدام مياه الشرب أو المياه المحلاة لسقى المساحات الخضراء أو المسابح وملاعب الجولف، رغم معاناة الساكنين، فى مناطق أخرى، من العطش، كل ذلك يهدد بتفاقم الأزمة مستقبلا.

هذا الخطر الذى يهدد الأمن المائى لكل المغاربة يستدعى سياسات مبتكرة وتدبيرا عقلانيا للمياه. الاعتماد على تحلية المياه يبقى مشروعا غير كاف، خاصة أن تكلفته باهظة وهناك سوء تدبير للمياه المحلاة. وتصدير منتجات زراعية تستنزف المخزون المائى كالأفوكادو والبطيخ الأحمر والطماطم، هى مشاريع فلاحية مربحة اقتصاديا على المدى القصير، لكنها مدمرة للبنية المائية.

هناك حاجة للبحث عن حلول مستعجلة تبدأ بسن تشريعات جديدة تردع المبذرين للمياه، وتخفض الأثر البيئى لتحلية المياه، وتدعم البحث العلمى فى مجالات استدامة الزراعة والمياه. هناك حاجة أيضا للاستثمار فى توفير المياه غير التقليدية، سواء المياه العادمة، أو تحلية المياه بالطرق الحديثة، خصوصا مع التوجه لجعلها مستدامة باستخدام الطاقات المتجددة.

التحديات كبيرة، وشبح العطش بات قريبا. زيادة الوعى بشأن ترشيد استخدام الماء بات ضرورة قصوى. صحيح لا نستطيع ان نغير تقلبات الطبيعة، لكن نستطيع تغيير سلوكنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بوضع مناخى ومائى بات على المحك.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: