فى تجاهل جديد للتحذيرات الدولية، وفى انتهاك واضح لأحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى ولكل مبادئ الإنسانية، وفى تحد، أيضا، لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وقرارات محكمة العدل الدولية التى أقرت تدابير عاجلة لوقف أى خطوات يمكن اعتبارها أعمال إبادة، بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية فى مدينة رفح الحدودية.
بعد دخول القوات البرية الإسرائيلية مناطق شمال ووسط قطاع غزة، نزح الى رفح نحو1.4 مليون شخص، يتكدسون فى مساحة لاتزيد على 55 كيلومترا مربعا، تعتبر الاعلى كثافة سكانية فى العالم، إذ يعيش كل 27 فلسطينياعلى مساحة متر مربع واحد.
تعد رفح البوابة الوحيدة التى تربط غزة بالعالم، والتى تستخدم كمنفذ لدخول المساعدات الإغاثية والإنسانية للقطاع وخروج الرعايا الأجانب والمصابين لتلقى العلاج والسفر. تتعرض المدينة مؤخرا لقصف إسرائيلى، وهى معرضة لهجوم أوسع تقول تل أبيب انه ضرورى لتحقيق أهداف الحرب، متمثلة فى القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن.وقد تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلى، عن ضرورة إجلاء النازحين الفلسطينيين دون ذكر أى تفاصيل بهذا الخصوص، وهو ما يعنى على الأغلب عدم وجود أى خطة اجلاء واقعية، لأنه لم يعد هناك مكان آخر يرحل إليه الناس. فإذا كان الفلسطينيون قد لجأوا إلى رفح هربا من الحرب، فهم اليوم يواجهون الحرب والموت، فى وقت لا أحد يعلم كيف ومتى والى أين سيتم إجلاؤهم!
ما يزيد الواقع مرارة هو مباركة أمريكا لكل المجازر التى تقوم بها إسرائيل باسم الدفاع عن النفس، والذى كلف الى حدود الآن أزيد من 35 ألف شهيد ومفقود فى قطاع غزة، والاف المصابين، ومئات الآلاف من المشردين. وقد أكد الرئيس الأمريكى خلال اتصاله ببنيامين نيتانياهو ضرورة ألا تتم العملية العسكرية برفح من دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ، مشددا على ضرورة وجود خطة لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص. هذا يعنى أن بايدن منح الضوء الأخضر لنيتانياهو للمضى قدما فى هذه الكارثة التى يخطط لها.اماالإجراءات الاحترازية التى تحدث عنها الرئيس الامريكى فهى مجرد افتراءات كاذبة لن تجد لها مكانا على ارض المعركة. إسرائيل التى فشلت فى القضاء على حركة حماس، ارتكبت، فى المقابل، مجازر ضد المدنيين، ودفعت بهم نحو أقصى الجنوب إلى رفح الحدودية. اليوم باستهدافها رفح بعملية عسكرية، مقابل عرقلة دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، فهى تسعى فعليا الى تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطينى، متخذة معادلة «سيناء أمامكم.. والموت وراءكم» شعارا خفيا لهذه العملية، وملقية بحزام النار نحو مصر التى طالما اعتبرت مسألة التهجير الى مصر خطا أحمر وجزءا من أمنها القومي.
التوغل فى رفح يعنى،من ناحية، وقف المساعدات الإنسانية الهزيلة التى كانت تدخل وتوزع، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات هائلة على قطاع غزة بأكمله، بما فى ذلك مئات الآلاف المعرضين لخطر المجاعة.ومن ناحية اخرى، هو يعنى تهجير المدنيين قسرا، وهو ما يعتبر وفق القانون الإنسانى الدولى جريمة حرب، لا نعلم حقا هل سيبعث من تحت انقاذ ضمير العالم، والعرب تحديدا، من سيحاسب ويعاقب إسرائيل عليها.
أيضا، إسرائيل تدرك أهمية العلاقات الاستراتيجية مع مصر، وتدرك ان القاهرة تتابع بقلق الضغوط المتزايدة على حدودها مع غزة، وأنها قامت بتعزيز وجودها العسكرى على الحدود. وهى تعلم أيضا ان أى خطوة او عملية عسكرية قد تؤدى إلى إجبار سكان القطاع، على دخول الأراضى المصرية وهو الامر الذى كان وسيبقى مرفوضا من القاهرة، وأن هذا الامر قد يؤثر على معاهدة السلام. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بما يمكن ان تقوم به إسرائيل حقا.
نحن أمام مشهد عبثى تقوم به القوات الإسرائيلية. فى البداية تم دفع الأهالى بقوة الحرب لترك منازلهم ومناطقهم والنزوح الى رفح باعتبارها منطقة آمنة. والآن تتعرض المنطقة الآمنة الى توغل عسكرى، ستكون تداعياته كارثية جدا، من أجل العثور على، ما تعتبره إسرائيل، مزيدا من الأنفاق التى تمثل شرايين تهريب الأسلحة إلى غزة!
هذه الارتجالية والعبثية تضع المنطقة بالكامل على المحك. لتفادى الأسوأ، الذى لن يُستثنى من تداعياته أحد، لابد من تحرك عربى ودولى جدى وحاسم لإيقاف هذا الجنون وإعادة الأمور الى نصابها من خلال إيقاف الحرب والعودة الى المفاوضات من أجل إيجاد حل نهائى وجذرى لهذا النزاع.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: