رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سنحصد ما نزرعه!!

لا شك فى أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، وهذا مفاده أن ما يتعلمه النشء فى الصغر سيظل معه طوال عمره، لأن النقش على الحجر، صعب أن يمحى، وأحيانا يكون محوه من المستحيل.

عدة مشاهد رأيتها فى الآونة الأخيرة، كانت بمثابة جرس إنذار لما يحدق بنا، ويمكن أن يمثل نقلة نوعية، فى كيفية تربية الأبناء، وما يثمر عنه ذلك فى المستقبل، عدة مشاهد قد تكون عادية فى نظر البعض، ولكنها فى نظر الآخرين كاشفة لكم السوء فيما ننقشه على الحجر بالنسبة لصغارنا!!

الجمعة المنقضية، أخذت مكانى بين المصلين، ثم بعد جلستى، حضر رجل فى العقد الثالث من عمره، ومعه نجله ويبدو أنه ابن اربع سنوات تقريبا، يحمل معه هاتفا محمولا، وبعد أن اعتدل فى جلسته، وضع نجله على قدمه، وفتح الهاتف ليلعب به، وأخذ يحدثه عن كيفية اللعب و كيف يتعامل مع اللعبة حتى يتمكن من تحقيق الفوز فيها.

عندما بدأ المصلون فى الامتعاض من الرجل، الذى يخرجهم عن روحانيات الخطبة، لم يحرك الرجل ساكنا، وظل على حاله، انتظرت حتى نهاية الصلاة، لأتحدث مع الرجل، إلا أنه سبقنى جمع من المصلين محاولين توضيح أهمية صلاة الجمعة وآدابها، وضرورة تعليم الصغير تلك الآداب فى هذا العمر الجميل حتى ينمو على كيفية التعامل السليم مع آداب الصلاة.

دافع الرجل عن وجهة نظره الخاطئة، واتهم الجمع بأنهم يعيشون فى عالم غير متقدم، وأن العالم يتطور، ولابد من مواكبته، هكذا يرى الرجل الموقف، وهكذا يفسره.

وعندما شرعت فى توضيح أن التقدم والتخلف لا علاقة لهما بطريقة تعامله مع صلاة الجمعة، وأن ما فعله ويعلمه لنجله، يفقد الصلاة قيمتها، لأن خطبة الجمعة جزء أصيل من صلاتها، لابد من الإنصات فيها للخطيب، وأنه ونجله ليسا فى فسحة فى مكان عادى، ولكنهم فى المسجد، وله مكانته واحترامه، لم يسمع الرجل لأى من الحاضرين، وفضلت أن ننصرف حتى لا يتطور الأمر بشكل سيىء، ولكنى أدركت أننا نعيش لحظة كاشفة لما يمكن أن تصل بنا الأحوال، لاسيما مع دعاة الاتجاه نحو التطور.

قد يقول البعض إن الولد ما زال صغيرا، وأنا أقول إن الصغير يكبر على ما يراه ويشاهده، كما يتعلم ما يعلمه له أبوه، وإذا كان الذهاب للمسجد يوم الجمعة تجاوز فكرة الخروج من عباءة الالتزام بأركان صلاة الجمعة، للتدثر بعباءة أن الصغار مستحب ذهابهم للصلاة مع الترويح عنهم، والاجتهاد فى اصطحابهم، مع ترغيبهم فى الذهاب للمسجد، كل ذلك جيد، شريطة تعليمهم آداب الصلاة، ومن المؤكد أنه ليس منها اللعب على الهاتف المحمول أثناء الخطبة، وعدم الحرص على الاستماع لها والتشويش على المصلين، أى أننا أمام أحد مظاهر التربية الحديثة! كما يراها ذلك الرجل!

المشهد الثانى، كان فى مترو الأنفاق، رجل خمسينى العمر يسير فى إحدى العربات، وهو يمر وجد فتًى فى عقده الثانى يمد قدمه، وأخذه التكبر ألا يسحبها حتى يمر الرجل الكبير، وعندما عاتبه الرجل على فعله، لم ينصع الفتى، وتعامل مع الموقف بصلف.

القارئ قد يعتقد أن الأمر انتهى، ولكنه للأسف قد بدأ، وجدت رجلا أكبر يدافع عن الفتى، قائلا للرجل الكبير، حصل خير اعتبره ابنك، وعندما تدخلت لأوضح أن ما حدث ليس خيرا، ولكنه عيب لابد من الاعتذار عنه، تلك هى القيم التى تربينا عليها، ثار جدال، اكتشفت أننا فى مرحلة عجيبة من الحياة، يختلط بها الصواب و الخطأ بشكل مزعج للغاية، ذلك الاختلاط بكل ثقة يهدم بعضا من المعايير المهمة، التى مازالت الركن الأهم فى التربية السليمة، وهى قيمة احترام الصغير للكبير وتوقيره.

المشهد الثالث، كنت أسير متجها لسيارتى، وهى تقف فى مكان هادئ بالقرب من إحدى محطات المترو، وعندما اقتربت وجدت شابا وفتاة يجلسان على مقدمة السيارة بشكل مستفز، فاقتربت من باب السيارة، وبعد فتحه، توقعت أن يقوما، فإذا بالشاب يعاتبنى لأنى لم انتظر قيامهما، وأننى قد أزعجتهما! لأن الموقف كان سخيفا، فاقترحت أن أطلب النجدة لحل الموقف، وتمسكت بموقفى، حتى جاء بعض المارة، وعندما علموا بما حدث، طلبوا مسامحة الشاب فسنه صغيرة!! وهذا يبين لنا إلى أين نحن ذاهبون، ولأنى أعلم أن ما سأقول لن يصل بالموجودين لشىء آثرت الانصراف وكلى حزن على ما وصلنا إليه.

كنت أتمنى أن يجدوا من ينصحهم و يقول لهم إن وضعهم خطأ، وأن ما يفعلونه مهين لهم و للفتاة بشكل خاص، إلا أننى شعرت أننى أقف وحدى أمام تيار يؤثر السلامة، لا يحب حسم الأمور، ولكنه يعشق تسيير الأوضاع و إنهاءها أيا كانت النهاية.

المشهد الأخير، لبعض الشباب يقفون على قارعة أحد الطرق، يتنابزون بالألفاظ بشكل فج، وكان الوقت متأخرا، والهدوء يسود تلك البقعة، فوجدت أحد القاطنين ونجله شابا عشرينيا، يشتبكون معهم محاولين إنهاء ذلك الوضع المستفز، دون جدوى، حتى تعاظم الموقف ووصل لحد الاشتباك بالأيدى، وعندما قاربت الشرطة على الوصول فر الشباب هاربين.

تلك المشاهد الأربعة، رغم تنوعها فإنها تتشارك فى جانب مهم، التربية ليست جيدة بكل تأكيد، ومن ثم تكون النتيجة بهذا الكم من السوء، يمكن أن تكون مشاهد فردية، ولا تمثل حالة عامة، ولكنها حدثت فى أوقات متقاربة، أعلم أن النقطة السوداء هى ما تلفت النظر فى الثوب الأبيض، ولكن ما أخشاه أن تزيد تلك النقطة رويدا رويدا، فتمسى بقعة لتأخذ مساحة أكبر.

وهنا أتمنى محاصرتها، لتظل مساحتها بنفس الحجم، وإن اجتهدنا لمحوها، لأن ما نزرعه من المؤكد أننا سنحصده.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: