رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ملاحظات حول قرار محكمة العدل الدولية

فى جلسة استأثرت على اهتمام الرأى العام الدولى، قالت محكمة العدل الدولية إنها على علم بالمأساة فى غزة، وأنها قلقة للغاية بشأن خسائر الأرواح هناك، وأكدت ولايتها القضائية للبت فى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.

أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنسانى فى قطاع غزة. وقالت إن على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية لتوفير الخدمات الأساسية المطلوبة فى حالة الحرب للفلسطينيين، الذين يعانون ظروفا صعبة، لكنها تجاوزت عن مطلب إلزامها بمنع النزوح القسري. أيضا، طالبت المحكمة باتخاذ تدابير لمنع تدمير الأدلة حول ارتكاب إبادة جماعية، وإن لم تلزم اسرائيل بالسماح بدخول بعثات تقصى الحقائق. وطالبت تل أبيب بتقديم تقرير جديد خلال شهر واحد حول الإجراءات التى تتخذها للامتثال للأمر.

صحيح كنا نأمل ان تطالب محكمة لاهاى بوقف كامل للأعمال العدائية فى غزة، كما جاء فى طلب جنوب إفريقيا، او ان تصدر قرارها النهائى بشأن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى حق الفلسطينيين، لكنها، على الأقل، أصدرت سلسلة من أوامر التحذير لإسرائيل على شاكلة ستة إجراءات مؤقتة تريد منها أن تتخذها، بينما تنظر لجنة مكونة من 17 قاضيا فى اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة ضدها. لهذا يمكن القول ان هذا القرار يشكل، فعلا، سابقة دولية قانونية تدين إسرائيل، وتنتصر ولو معنويا للقضية الفلسطينية. كما يمكنه ان يغير مجموعة من الحقائق على الواقع لمجموعة من الأسباب:

أولا: قبول الدعوى واعتبار المحكمة نفسها مختصة بالنظر فيها، يعنى أن إسرائيل ستخضع للمحاكمة فى القضية. هذه إشارة إيجابية، إذ لأول مرة فى تاريخها - ومنذ أعمال القتل المنهجى من عام 1948- تكون إسرائيل عرضة للمساءلة أمام القانون الدولى. بمثولها أمام المحكمة، وهى طرف مصادق على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهى طرف كذلك فى النظام الأساسى لمحكمة العدل، فإنها ملزمة بتنفيذ كل ما يترتب من آثار تتخذها المحكمة من تدابير مؤقتة أو أحكام قضائية.

ثانيا: فرض إجراءات مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية فى غزة. فى قراءة لهذه الفقرة يتبين اقتناع هيئة المحكمة بأن الحقوق التى تسعى إلى حمايتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية تتوافر فى القضية المطروحة أمامها، وهذا يعنى أن هناك حاجة ملحة لحمايتها. المحكمة أقرت واعترفت بأن هناك إبادة جماعية، وطالبت بإجراءات من أجل منع الاستمرار فى ارتكابها. هذا يشكل انتصارا قانونيا وأخلاقيا للشعب الفلسطينى، وانتكاسة للبروباجندا الإسرائيلية التى كثيرا ما روجت لرواية حقها فى الدفاع عن النفس.

هذا القرار يضر بشكل كبير بمكانة إسرائيل الدولية ويلطخ سمعتها -التى كثيرا ما استثمرت الملايين من الدولارات من اجل تلميعها- بوصمة الإبادة الجماعية. بعد كل الجرائم التى ارتكبتها وترتكبها إسرائيل داخل الأراضى الفلسطينية، وبعد تبرير عنفها السياسى تجاه الفلسطينيين كإجراءات أمنية أو كإجراءات لتعزيز دفاعها المشروع عن النفس، أتى قرار المحكمة ليفند بشكل أساسى مثل هذه المبررات غير المعقولة.

ثالثا: مجرد إبقاء القضية مفتوحة تستقبل المرافعات فهى خطوة مهمة تصب فى مصلحة القضية الفلسطينية، وسيكون لها تأثير على سلوك إسرائيل فى غزة. وبما ان المحكمة أمرت اسرائيل بتقديم تقرير إليها فى غضون شهر، فإن الجيش الإسرائيلى قد يكون أكثر حذرا وأقل وحشية فى غزة فى الوقت الحالي. كما انه سيسعى لتقليل عدد الضحايا المدنيين وسيعمل على إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

بالإضافة الى ما تم ذكره، قرار محكمة العدل الدولية سيضع الكثير من الضغوط على حلفاء إسرائيل، وفى مقدمتهم الولايات المتحدة، الذين جادلوا بأن القضية لا أساس لها على الإطلاق. هم بالتأكيد سيمتنعون عن إعطاء المصداقية لفكرة أن اسرائيل ترتكب إبادة جماعية، لكن رغم ذلك، فإنهم سيجدون صعوبة فى تجاهل حكم المحكمة، وسيضطرون للضغط على تل أبيب من أجل التخفيف من جرائمها بسبب تصاعد الغضب الدولى.

أما إسرائيل، التى تسعى لتصدير صورتها للعالم الغربى كديمقراطية وحيدة فى المنطقة ودولة قانون، فهى لا تملك سوى أن تمتثل للقرارات الصادرة. سيتعين عليها أن تقدم على تغيير تكتيكاتها بشكل جذرى أو إنهاء الأعمال العدائية بشكل أساسى، لتجنب الحكم على أساس الموضوع الذى يمكن ان يستغرق أشهر او ربما سنوات، ويدخلها فى متاهات بالتأكيد لا ترغب فى الدخول إليها.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: