بعد ما يقارب الـ 110 أيام من الهجوم على غزة، وتحقيق إسرائيل فشلا عسكريا، يراه بوضوح القاصى والدانى، لاسيما أن التسريبات التى ينشرها الإعلام الإسرائيلى عن الاجتماعات الدائرة لحكومة الحرب كاشفة للمدى الكبير من الخلافات الحادة لأعضائها، بعد أن وشت بأنها وصلت لحد الاشتباكات بالأيدى.
أعلنت إسرائيل عن عدد من الأهداف تسعى لتحقيقها جراء الغزو البرى لغزة، أعلنتها وهى محملة بالذكريات المريرة لغزوات سابقة، كانت بكل تأكيد أقل من حيث عدد جنود جيش الاحتلال، وأيضا المدة الزمنية للغزو. وبات الفشل فى تحقيق أى من أهدافها عنواناً واضحا للعالم المتابع لتلك الحرب الهمجية، والذى بدأ عدد من قادته الداعمين لتلك الحرب يعلن عن دعمه لوقف الحرب، لاسيما أن ما ارتكبته إسرائيل من مجازر فاق كل التوقعات، وبات عاملاً ضاغطا على إسرائيل، حيث وصل عدد الشهداء لما يفوق الـ 25 ألف شهيد، والجرحى لما يفوق الـ 80 ألف شهيد. جلهم من الأطفال و النساء، آلاف من الغارات الجوية، استهدفت كل ما هو مدنى، حتى دُمرت الحياة فى غزة بشكل كلى، وأُصيبت بالشلل التام، وما عاد للحياة وجود، لدرجة جعلت المتخصصين يقولون إن إعادة الإعمار قد تستغرق عددًا من السنوات يصعب حصرها! جاءت الجلسة العلنية للمحاكمة الدولية فى لاهاى فى الدعوى التى تبنتها جنوب إفريقيا بشأن جرائم الإبادة التى ترتكبها إسرائيل، وحوت دعواها بملف قيم وواف بالأدلة، حلقة مهمة و قوية فى السياق الذى يدين إسرائيل بشكل غير مسبوق. فقد اعتادت إسرائيل أن تفعل كل الموبقات بالشعب الفلسطينى، دون رقيب أو حسيب، لأن هناك من يدعمها ويمهد لها الأرض لتفعل ما يحلو لها، كما يقف سندا وداعما لها، وقد شاهدنا الفيتو الأمريكى الذى يظهر كلما حان قرار لتجريم إسرائيل من الظهور للعلن!
الآن، الوضع فى الشرق الأوسط يحمل ظرفا تاريخيا نادرا، فإسرائيل تعيش أحد أسوأ فترات حياتها التى بدأت منذ 75 عاما، فقد اتضح للعالم أنها دولة ضعيفة عسكريا، فلم تستطع أن تحافظ على نفسها أمام المقاومة الفلسطينية التى لا تملك أيا مما تملكه إسرائيل من أسلحة هى الأحدث والأشد فتكا، ورغم ذلك فشلت بشكل مهين أن تحمى نفسها، وتم أسر عدد من مواطنيها، وكذلك عدد آخر من عسكرييها، كما فشلت فى أن تحقق أيا من أهدافها المعلنة، فبعد كل هذه الأيام لم تحرر إسرائيل بكل عتادها العسكرى وتقدمها التقنى أسيراً واحدا، بل على العكس، كانت سببًا فى قتل بعضهم، ليتأكد فشلها بشكل كامل!
ويوما بعد يوم تخسر جنودا، لدرجة أنهم باتوا أكثر مما خسرتهم فى حرب 6 أكتوبر، رغم أن حرب 6 أكتوبر كانت بين جيشين يملكان أسلحة، بصرف النظر عن أفضلية أسلحة إسرائيل بشكل نوعى وأيضا كمى، أما العتاد الذى تخسره فحدث ولا حرج. تنزف إسرائيل اقتصاديا بشكل غير مسبوق، فاقتصادها مصاب بالشلل، مما تترتب عليه خسائر فادحة تتزايد يوما بعد يوم، وذلك ينعكس بشكل سلبى للغاية على الداخل الإسرائيلى الذى يعانى، وبدأت تظهر فى الأفق ملامح التذمر من التغيرات التى أصابت نمط الحياة فى إسرائيل وجعلتها متأرجحة وضاغطة على قطاع كبير من الإسرائيليين، حتى وإن أظهروا عكس ذلك!
110 أيام من القصف الجوى واستخدام أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الأسلحة ومنها ما هو محرم دوليا، والنتيجة فشل تام، خاصة أنها تواجه شعبا أعزل، مقاومته تتعامل بأسلحة بدائية صنعتها بمكونات بسيطة، وتلك بكل الأحوال كارثة، لا تحتمل شركات الأسلحة التعايش معها لفترات طويلة، لاسيما أنها تسىء لمستقبلها بشكل مباشر، وذلك يعنى، أن كل يوم يمر دون تحقيق نجاحات ملموسة يمكن لجيش الاحتلال أن يعلنها ويعيشها الإسرائيليون يمثل ضغطا لا يمكن لحكومة إسرائيل الاستمرار فى تحمل تبعاته.
أمست عائلات المختطفين الإسرائيليين عنصرا ضاغطا على الحكومة، باتت تمثل كتلة واضحة فى الرأى العام الإسرائيلى، لاسيما أن الحكومة الإسرائيلية فشلت فى تحقيق وعودها لهم باستعادة ذويهم. تصريحات الرئيس الأمريكى بشأن المضى فى حل الدولتين جنبا إلى جنب جاءت لتبين أن ذلك هو نهاية المسار، والتصريحات المقابلة من رئيس وزراء إسرائيل التى ينفيها، ليست بالغريبة، فهو يسعى لمد أمد الحرب أقصى مدة ممكنة، لأن نهايتها الحتمية تعنى فشله وسقوطه سياسيا وأيضا ستتم محاكمته عن جرائم قد ارتكبها. أما تصريحه بمنعه قيام دولة فلسطينية طوال وجوده فى موقعه لا يقدم أو يؤخر فى شىء، فأيام وجوده يمكن حسابها بيسر، باتت أقل مما يتخيل، وسيأتى رحيله من داخل إسرائيل التى تئن من وجوده.
مطالبة الرأى العام الدولى بوقف العدوان على غزة تتزايد، وسط زخم دولى شعبى فريد، لم يحدث من قبل أن جُوبهت إسرائيل بكل هذا الاستنكار من أفعالها التى تؤكد حرصها على استمرارها، إن مسئوليها فقدوا كثيراً من رشدهم. أغلب الظن أن إسرائيل ترتجل، خاصة بعد محاولتها توسيع دائرة الحرب، بإطلاق بعض الضربات داخل لبنان وسوريا لمحاولة إيهام الرأى العام داخل إسرائيل بتحقيق بعض النجاحات، والحقيقة معروفة، فتلك الضربات كانت لأهداف معلومة للعامة، لا ميزة فيها، ودليل مؤكد على استمرار التخبط والفشل.
كل ما سبق يمهد لأن الحرب على غزة ستتوقف، ولكن السؤال الذى يفرض نفسه، كيف ومتى؟
وهنا على عالمنا العربى، أن يأخذ زمام المبادرة، ويستغل ذلك الظرف التاريخى، بوضع الأسس المحددة لقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لأننا بتفويت تلك الفرصة التاريخية نخسر حشدا دوليا وزخما عالميا يدعم القضية الفلسطينية بشكل لم يسبق حدوثه.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: