فى البداية الأمر لم يكن مثار دهشة بل أمر متوقع، فرجل مثل نيتانياهو صاحب تاريخ أسود فى المجازر والحماقات السياسية، وعينة من رجال أكثر دموية أمثال بن غفير وسموتريتش وبن عازر وغيرهم العشرات، من أسوأ ما أنجبت إسرائيل، لا يتورعون عن ارتكاب الجرائم وحملات التطهير العرقى وحروب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، لا تتوقع منهم بحق مصر الدولة والشعب، إلا تشغيل ماكينات الأكاذيب وطاحونة الشائعات والدعايات الرخيصة، وبالتالى الأمر لم يكن يفاجئنا نحن المصريين ومعنا الأغلبية الكاسحة من دول العالم، عندما يخرج احد أعضاء الوفد القانونى الإسرائيلى، الذى امتزجت وطغت صهيونيته بجينات التطرف وكرات القتل الحمراء، فى أثناء نظر محكمة العدل الدولية فى لاهاى اتهام جنوب إفريقيا لدولة الاحتلال الإسرائيلى، ارتكاب الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة بالكامل، ويتفوه بالأكاذيب والأقوال الرخيصة بحق مصر وجهودها المضنية لتشغيل معبر رفح، ورفض إغلاقه ساعة واحدة منذ السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) وحتى اليوم، رغم القصف والممارسات العدوانية لقوات الاحتلال الإسرائيلى، والتصميم المصرى على دخول المساعدات والمواد الإغاثية، والدفع بعشرات الفرق الطبية والطواقم الإغاثية والمئات من سيارات الإسعاف والإنقاذ.
وبالتالى كانت مثل هذه الاكاذيب مفضوحة وعقيمة الأثر، عندما جوبهت فى الحال بموقف مصرى صلد، فند وكشف حملة تلك الادعاءات الكاذبة عبر رزنامة حقائق ومعطيات واقعية وأدلة ثبوتية، بحجم ما قدمته مصر على صعيد المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، والمساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية، مقترنا بشهادة الأمم المتحدة عبر أمينها العام جوتيريتش وجميع مساعديه وقيادات الهيئات الإنسانية والاغاثية الدولية، الذين زاروا المعبر ومعهم العشرات من رؤساء حكومات ووزراء ومسئولين من شتى دول العالم، الذين شهدوا وتابعوا حجم تلك المساعدات المصرية والدولية، وطالبوا ورفعوا الصوت عاليا لحكومة الاحتلال فى تل أبيب بفتح المعبر من الجانب الفلسطينى، والسماح بتدفق المساعدات ووقف حملات الإبادات الجماعية والعقاب الجماعى فى القطاع.
بحقائق الموقف على الأرض فان أكثر من تصدى وشكل حائط الصد، وسياجات الحماية للفلسطينيين للبقاء فى أرضهم ورفض تصفية قضيتهم، هو الدولة المصرية ورئيسها عبدالفتاح السيسى، الذى استوعب منذ اللحظة الأولى لانطلاق العملية الإسرائيلية المسعورة بقطاع غزة فى الثامن من أكتوبر، أهداف ومرامى الجانب الإسرائيلى، ومؤامرة نيتانياهو وقيادات المتطرفين من اليمين الصهيونى بحكومته لطرد الفلسطينيين من غزة، وعودة الاحتلال الإسرائيلى للقطاع، وتكرار تجربة البقاء العسكرى وتشييد المستوطنات من جديد لضم القطاع الى غلاف المستوطنات هناك قبل انسحاب شارون منه عام ٢٠٠٥، وتمكين الاستيطان الكامل لجعله امتدادا لدولة الاحتلال والمستوطنين، وبالتالى إجبار ونزوح قرابة مليونى فلسطينى إلى الأراضى المصرية ، وتغسل تل أبيب يدها منهم بالكامل، وبالتالى تضع وتكتب المشهد النهائى فى الفصل الأخير فى القضية الفلسطينية، ويتناسى العرب والعالم وقبلهم الفلسطينيون حلم الدولة الفلسطينية الذى يقض مضاجع الإسرائيليين منذ ٧٥ عاما وتطوى تلك الصفحة إلى الأبد، ومن أسف وجد فى بداية الأمر غطاء لتلك المؤامرة الجديدة لنيتانياهو، فى الحاضنة الأمريكية والأوروبية، إلى ان دقت مصر ناقوس الخطر وعلقت الجرس فى رقاب كل هؤلاء جميعا، وأعلنت موقفها الحاسم الصارم منذ اللحظة الأولى، على المُلأ وأمام قادة العالم الذين تقاطروا على مصر فى بدايات الاعتداءات الإسرائيلية بالرفض المطلق لمثل هذه المؤامرات ، عبر الخط الأحمر الذى رسمه الرئيس السيسى فى الحال، وحدد جوهر الخطوط واللاءات المصرية بشكل قاطع جازم مدو، بالرفض والتصدى لأى محاولات ومؤامرات لتمرير التهجير القسرى للفلسطينيين تحت اى حجج أو ذرائع، فضلا عن الرفض المطلق والتصدى بجميع الأدوات لدى الدولة المصرية واذرعها الطولى لتصفية القضية الفلسطينية، وقياسا على ذلك كل عمليات التسويق والفتك الإسرائيلى لإنهاء كل ما هو فلسطينى فى غزة والضفة الغربية، ونجح الرفض والتصدى المصرى باقتدار فى تشكيل كتلة حرجة وديناميكية، وحضور حيوى لدى الجانب العربى ودول الإقليم برمته، فانتقلت حالة الرفض وجملة اللاءات المصرية إلى عديد دول العالم بما فيها الجانبان الأمريكى والغربى، فتشكل رأى عام دولى ضاغط باتجاه مع جملة وجوهر المواقف المصرية، دون تفريط أو تراجع عن جملة التحصينات التى صاغتها وكرستها وسوقتها مصر عربيا ودوليا، وصار هذا الموقف المعتمد، باتجاه إفشال المخططات الإسرائيلية جميعا، ليس فى غزة بل لإحياء وبعث الروح للقضية الفلسطينية، حيث كان ومازال الخطاب المصرى لكل من زار مصر والتقى أو تواصل مع القيادة المصرية، أن الحل التوافقى والتعاطى المشروع لإنهاء أزمة الشرق الأوسط وأم قضايا ومعارك العالم الآن فى هذا الإقليم الساخن، لن يتم أو يتحقق الا عبر تدشين الحلم الأثير بإقامة دولة فلسطينية، وحل نهائى عبر دولتين.
لا مبالغة فى القول إن تعمد ترويج قادة الاحتلال الأكاذيب والدعايات الرخيصة، باتجاه الدولة المصرية من حين لآخر، مرده حالة الانكشاف والفضح الذى أحدثته مصر وفعلته باحترافية عالية لوأد كل مخططات تصدير جرائم الاحتلال بقطاع غزة إلى الأراضى المصرية والإقليم، وإفشال الرئيس السيسى كل تلك المؤامرات والفتن وإلغائها فى الحال، فضلا عن تعريتهم وكشف مقاصدهم الخبيثة فصار الرئيس القوى بحق الذى نجح فى إضرام النار فى كل مخططات نيتانياهو وإسرائيل.
لمزيد من مقالات ◀ أشرف العشرى رابط دائم: