فى اليوم الثالث على عملية طوفان الأقصى، وصف وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، ما قامت به حماس بأنهم حيوانات بشرية. وفى مؤتمره الصحفى مع الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى 18 أكتوبر، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلى، إلى تصوير المواجهة بأنها مواجهة بين قوى الحضارة وقوى البربرية، واصفا ما قامت به حماس بأنه أعمال وحوش، حيث قتلوا واختطفوا الأطفال والنساء والشيوخ. وسعيا لتقريب الصورة للرئيس الأمريكى -عبر توظيف النسبة الحسابية- قال نيتانياهو إن عدد من قتلتهم حماس بالمقارنة بتعداد السكان فى إسرائيل حوالى 50 ألف أمريكي.
فى تلك اللحظة كان هذا الخطاب الإسرائيلى مفهوما للعالم الغربي، رغم تاريخ المآسى العربية مع إسرائيل, وربما لم يسترجع أحد حينها السلوك الذى مارسته إسرائيل على مدى ما سيقرب من 80 سنة من عمر الصراع، اكتوت فيها المنطقة بنار العدوان والمذابح.
الآن، وبعد أكثر من شهرين على مصانع ومسارح القتل المستمرة فى غزة التى لم ترتو بعد من الدماء، بعد أن تجاوز عدد الشهداء المدنيين الفلسطينيين 20 ألفا، أغلبهم من النساء والأطفال، كيف يجرى تبرير كل ذلك لضمير الساسة والمواطنين فى إسرائيل (أو فى أى مكان)؟ ، وكيف يرى وزير الدفاع الإسرائيلى نفسه؟!.
كان الاعتقاد أننا وصلنا إلى درجة من الإنسانية فى القرن الحادى والعشرين، وأن حياة الإنسان الفلسطينى لم تعد وديعة لدى العرب وحدهم، وإنما أصبحت - بحكم اللافتات الإنسانية التى طرحها الغرب- وديعة فى حماية مؤسسات عالمية، وأخذ العقل والضمير العربى قسطا من الراحة، لكن الحصن الإنسانى العالمى الحامى للفلسطينيين أثبت أنه حصن واه، بعدما استمر الفيتو الأمريكى مشهرا ضد كل قرار بوقف النار.
وكان يمكن لإسرائيل أن تكسب إستراتيجيا لو سمحت مرة فى عمر الصراع للمشاعر العربية بأن تنضج وتتفاعل مع هموم وأحاسيس الإنسان الإسرائيلى فى لحظة كانت مناسبة. وكان بإمكانها اغتنام اللحظة، لكنها قررت اغتيال اللحظة وأضاعت فرص السلام أكثر من مرة. لقد نجحت فى شيء واحد نعرفه جيدا، وهو زرع آلام نفسية لا يمكن اقتلاعها لدى الأجيال العربية الجديدة. فقد انتصر العرب بتجديد ذاكرة ووعى أبنائهم عن إسرائيل، فما يجرى فى غزة هو جرائم ضد الإنسانية.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: