أخشى ما تخشاه إسرائيل أن تخسر قتلى من مدنييها أو ضباطها وجنودها، ولكنها لا تعطى، منذ ما قبل تأسيسها حتى الآن، أىَ اهتمام بخسائرها الاقتصادية الناجمة عن تعطيل انتاجيتها بسبب الحروب الهائلة التى تشعلها، ولم يُنَغِّصّ عليها قط نفاد ذخيرتها ودمار أسلحتها، حتى الصواريخ والطائرات المقاتلة، ذلك لأن لديها دائما قوى خارجية راغبة ومتحمسة وقادرة على تعويضها وبسرعة عن كل خسائرها! وقد أصرت إسرائيل، طوال هذه العقود، على اعتماد جرائم الحرب العمدية، لتؤكد للجميع، خاصة ضحاياها، أنها أقوى من أى نظام وأنها فوق كل قانون، فتقهر الفلسطينيين وتذلهم وتدفعهم إلى الفرار والنزوح والهجرة، ثم تستولى على الأرض بعد إخلائها، وتستعين فى كل هذا بنفوذ حماتها القادرين على عرقلة الإجراءات ضدها أو تعطيلها بالكامل. ودائماً ما كان اقتراف أى سياسى أو عسكرى إسرائيلى لكل هذه الجرائم مدعاة للفخر والمباهاة أمام زملائه ومنافسيه وشعبه. كان نيتانياهو يتوهم، بعد ضربة حماس فى 7 أكتوبر، أنه سينجح فى إجبار الفلسطينيين على الفرار وترك غزة، ليتلقفها هو ويهديها إلى شعبه، فيكونوا كرماء معه ليسقطوا عنه الاتهامات القائمة ضده بالفساد، والاعتداء على سلطتهم القضائية. وهذا يعنى أن كل جرائم الحرب التى دَمَّرت غزة وأوقعت كل هؤلاء القتلى والجرحى والخرائب، لا تقع مسئوليتها فقط على نيتانياهو وفريقه، وإنما أيضاً على جماهيرهم التى يرضيها أن تستولى على أرض غزة بهذه الجرائم.
وأمّا ما يُهَدِّد حاضرَ الساسة والعسكريين الإسرائيليين ومستقبلهم، فهو أن يخسروا أى حرب، لأنهم لا يقدرون، عندئذ، على مواجهة جماهيرهم، وعندما يقعون فى هذه الحالة ترى منهم تصرفات تدخل فى باب الغرائب، مثلما يحدث هذه الأيام مع نيتانياهو وفريقه، بعد جرائم الحرب الرهيبة التى اقترفوها فى غزة، وعرَّضوا جيشهم لخسائر بشرية لم يفصحوا عنها بعد، وكان سبب خسائرهم الأساسى أنهم رفضوا بالمطلق ما عرضته حماس فور ضربتها، بإجراء تبادل للأسرى على الجانبين، وأعلنوا للعالم أنهم سيسحقون حماس ويفرجون عن أسراهم بأنفسهم، وبعد مضى 7 أسابيع، عجزوا، مع كل جرائمهم، عن تحقيق هدفهم، إذا بهم يرضخون للتفاوض ويقبلون ما رفضوه قبل إشعالهم لهذا الجحيم، ويصرون على أنهم انتصروا فى غزة!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: