يجب ألا يتوقف السعى الجاد لمحاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب البشعة التى ارتكبوها فى عدوانهم الأخير على أهل غزة المدنيين العزل، وأن يتوازى هذا السعى مع أى هدنة يتفق عليها الطرفان، أو حتى إذا توصلا إلى اتفاق يُوقِف العدوان الإسرائيلى نهائياً، ويعيد الحياة إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر الماضى، ذلك لأن الفلسطينيين يعلمون جيداً أن الأوضاع السابقة لم تكن مغنماً قط، لأنهم كانوا يعيشون أثناءها جحيماً فَرَضَ عليهم الانعزال عن العالم، والرضوخ للحصار من كل الجهات. لذلك يجب الانتباه الآن، ليس من باب جلد أحد وإنما لاستخلاص الدروس، أن السلطة الفلسطينية اقترفت مجموعة أخطاء تاريخية كانت نتائجها شديدة السلبية على مصالح الفلسطينيين، ومن هذا أن مسئوليها خضعوا، عام 2009، لضغوط خارجية وطلبوا بأنفسهم تأجيل التصويت، فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف، على تقرير جولدستون الذى سجل لأول مرة اقتراف إسرائيل جرائم حرب فى عدوانها البشع بين ديسمبر 2008 ويناير 2009 وكانت هذه أول فرصة فى تاريخ الصراع يمكن أن تؤدى إلى طلب استدعاء قادة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية!
وأما الخطأ التاريخى الآخر، أن السلطة، فى نوفمبر 2005 وقَّعَت مع إسرائيل اتفاقية المعابر التى نصَّت على ما جرى تسميته بالشروط والضوابط والمعايير التى تنظم حركة المرور من وإلى الأراضى الفلسطينية، والغريب أن السلطة وافقت على أن تمنح إسرائيل منافذ لفرض سيطرتها على عبور الأشخاص والأشياء، وكانت هذه أهم الثغرات التى منها فرضت إسرائيل إغلاقاً كاملاً للمعابر بعد 7 أكتوبر، ثم، وعندما أُجبِرَت على فتحها، استطاعت أن تفرض شروطاً تعسفية حددت بها عدد شاحنات المعونات الإنسانية، ومحتويات كل شاحنة، ورفضت عبور الوقود رفضاً مطلقاً، ثم سمحت بأقل كمية بما لا يكفى لتلبية الاحتياجات الأساسية للحياة..إلخ.
فى هذه اللحظة المهمة فى تاريخ الصراع، والتى تشهد فيها إسرائيل إدانات غير مسبوقة فى العالم، يجب أن يعلم ممثلو الفلسطينيين بأنه ليس من حقهم التفريط فى نتائج أى موقف خارجى مساند، ليس فقط لأن التفريط ضار بالقضية، ولكن لأن هذه الإدانات لإسرائيل هى إنجاز كبير لم يحققه أحد من ممثلى الفلسطينيين حتى يتوهم أن من حقه التنازل عنه.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: