لم يحاول أحد من المسئولين الأوروبيين أن يُفَسِّر تناقضهم الجماعى العلنى الفاضح لانسياقهم لسياسات تُوضَع لهم من خارج أوروبا! وذلك عندما تبنوا فورا إعلان إسرائيل المفاجئ دون تمهيد، مباشرة بعد ضربة حماس فى 7 أكتوبر الماضى، رغبتها فى تهجير جميع سكان غزة الذين يتجاوزون مليونى إنسان إلى مصر. فى وقت لم يتخل الأوروبيون للحظة واحدة عن رفضهم المطلق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حتى للسوريين الذين كانوا يفرون من موت محقق فى صراع دام على أرضهم بين عدة دول وميليشيات، وأسهب الأوروبيون فى سرد أخطار هذه الهجرة على أوروبا، ورصدوا لمنع الهجرة أموالاً طائلة، بل ووجدوا المبررات لتصدى بعض دول أوروبا بالقوة للمهاجرين فى عرض البحر، وتغاضيهم عن الإغراق العمدى لبعض مراكب المهاجرين لتلتهمهم الأسماك! وراح هؤلاء السياسيون الأوروبيون يتوسطون بِهِمَّة غير مستساغة لدى مصر لكى تقبل فكرة المشروع الإسرائيلى. وكان غريباً أنهم، عندما وُوجِهوا بموقف مصر المبدئى القوى لهذه الهجرة، وبعد أن صدرت لهم توجيهات جديدة بتغيير المهام، راحوا يؤيدون موقف مصر الرافض للهجرة، ولم يقدموا أى تفسيرات لسياستهم المفاجئة العَلَنية بقبولهم وترويجهم لتهجير الفلسطينيين وسعيهم لإقناع مصر، ثم لانقلابهم ورفضهم للمشروع، وكانت تصريحاتهم وعكسها تبث على الهواء فى تليفزيونات العالم!
وأيضاً، لا يهتم ممثلو الحكومات الأوروبية بإبعاد شُبُهات التبعية عن أنفسهم، وهم يردِّدُون كما الكوراس نفس الأفكار بنفس الألفاظ، وكأن الواحد منهم يخشى أن يُبدى اختلافاً فى تأييده بمفردات أخرى! ففور أن بدأت إسرائيل القصف الرهيب للمدنيين العزل فى غزة بالطائرات الحربية والمدفعية والصواريخ، تبنت أوروبا كلها عبارة واحدة تنص على (حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها)! دون إشارة واحدة إلى جرائم الحرب التى وَضَعَ قواعدَها وصاغَها أسلافُهم الأوروبيون بعد الحروب الدامية فيما بينهم والتى كان آخرها ما شاركوا فيه بعد الحرب العالمية الثانية! ثم ومع وصول أعداد القتلى الفلسطينيين إلى أرقام يصعب السكوت عليها، أضاف الأوروبيون جميعاً عبارة أخرى عن (وجوب أن تلتزم إسرائيل بسلامة المدنيين)، ولمّا لم تلتزم إسرائيل بأى سلامة، كرر الأوروبيون كلامهم عن السلامة، وارتبكوا أمام جرائم إسرائيل المروعة! وصاروا فى تناقض حتى مع التظاهرات الحاشدة لمواطنيهم فى عواصمهم ضد إسرائيل!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: