لعلّ أهم إنجاز يمكن تحقيقه ضد إسرائيل فى هذه المرحلة أن يُستًصْدَر ضدها حكمٌ قضائىٌ من محكمة دولية يدينها بالعنصرية. والمؤكد أن إسرائيل وفَّرَت لأعدائها أدلة تكفى لإدانتها على جرائم حرب بشعة فى غزة، ليس بسبب عدم إدراكها لخطورة هذه الأدلة ولكن لاطمئنانها، حتى ما قبل الجرائم التى تقترفها الآن فى غزة بكل جسارة، بأنها تحظى بكل الحماية من أطراف قوية فى النظام العالمى السائد بمكانتها كعين أعيان النظام، فهى تنال معاملة سخية تفوق أى طرف آخر، ولكنها لا تكتفى بالحصول على كل العطايا والمنح العسكرية والاقتصادية والدعم السياسى، وتُصِرّ أيضاً على أن تُستَثنَى، بمساعدة داعميها الكبار، من أى مساءلة مهما بلغت أخطاؤها وجرائمها، فيسعون لتعطيل قوانين النظام العالمى لصالحها، والضغط على من يحاول محاسبتها!
هذه الجرائم الرهيبة الأخيرة استفزت أطرافاً تستطيع أن تصمد أمام داعمى إسرائيل، مع احتمال أن تنجح فى استصدار أحكام ضد إسرائيل، ولعل دولة جنوب إفريقيا هى المُرَجَّحَة للنجاح فى تحقيق هذا الهدف، لما لها من خبرة تراكمت عبر قرون مع نظام عنصرى بغيض كان له علاقات خاصة مع إسرائيل، وقد نجحت قبل عقود قليلة فى القضاء عليه وإلغاء العنصرية وفرض المساواة بين المواطنين. كما أن لجنوب إفريقيا كوادر علمية رفيعة، يمكنهم من تجربتهم صياغة التوصيف القانونى لحالة إسرائيل. كما أن هناك دافعاً آخر لجنوب إفريقيا، كعضو مُؤسِّس فى منظمة (بريكس) التى من أهم أهدافها البعيدة تحقيق نظام عالمى جديد، وقد تكون بداية موفقة إذا استطاعت جنوب إفريقيا أن تقود جبهة عريضة، تضم أعضاء بريكس والساعين للانضمام والمتضررين من النظام السائد، وتجبر إسرائيل، أكبر مستفيد من هذا النظام، أن تمتثل للقانون الدولى. وقد اتخذت جنوب إفريقيا بالفعل خطوة جادة ضد إسرائيل، فقد أعلن الرئيس ماتاميلا رامافوزا، الأسبوع الماضى، أن بلاده قدَّمت طلباً للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب التى يقترفونها ضد المدنيين العزل بغزة، وقال إن الفلسطينيين يكافحون ضد نظام مخادع عنصرى. وقد تضامن عدد من الدول مع جنوب إفريقيا، مما شكل جبهة قابلة للتوسع، ويمكن إضافة تهمة العنصرية، التى بإدانة إسرائيل بها تسقط أكاذيبها بأنها دولة حديثة تنتمى للعالم الحر.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: