تسلط الحرب فى قطاع غزة الضوء على ثلاثة مستخلصات للصراع الفلسطينى الإسرائيلى عبر العقود:
المستخلص الأول، أنه كلما برز الوجه الإنسانى للقضية الفلسطينية، فإن ذلك يسهم أكثر فى بناء موقف عالمى ضد الاحتلال، ولا يمكن بناء هذا الموقف الإنسانى من دون توظيف ماكينة إعلامية توازى الماكينة السياسية والعسكرية، حيث إن الذى يمتلك هذه الماكينة لا يتمكن فقط من تقديم ذاته فى صورة الضحية، وإنما يستطيع أيضا أن يفرض الصورة السلبية على خصمه. وعلى مدى تاريخ الصراع واجهت إسرائيل نكبات أقل ومارست جرائم أبشع، لكنها حاولت تحسين صورتها بصورة دولية أفضل بسبب الدعاية الصهيونية والغربية. بينما تعرض الفلسطينيون لنكبات كثيرة لكن تغلف موقفهم بصورة إنسانية أقل, ولذلك فإن حرب غزة ومشاهد قتل الأطفال والنساء أسهمت فى تحسين الصورة الفلسطينية مقابل قبح الصورة الإسرائيلية.
المستخلص الثاني، أن المنتصر فى المواجهة العسكرية لايكسب فقط التعاطف الدولي، وإنما يستطيع أيضا أن يفرض صورة الإرهابى على الآخر، وذلك أحد أسس ودروس الحياة الدولية، منذ انتصار الحلفاء على المحور فى الحرب العالمية الثانية. ولقد تصحّحت صورة الفيتناميين بعد انتصارهم على الولايات المتحدة، وتصحّحت صورة الأفغان بعد الانسحاب الأمريكي، وسوف تتحدد صورة روسيا وأوكرانيا بنتائج الحرب الحالية. ولذلك فبقدر تماسك الوضع الفلسطينى الراهن، بقدر تصحيح الصورة العالمية للقضية الفلسطينية.
أما المستخلص الثالث، فهو أن التحليلات العسكرية والسياسية لمواقف الأطراف تتغير وفقا للقدرة على الحسم العسكري، وتتغير الأفكار والعقول داخل كل طرف بمقدار القدرة على إحداث التغيير على الأرض، لذلك فالمنتصر يحقق كل المكاسب، بينما يجرى تحميل الخاسر المسئولية عن كل شيء. لذلك تسعى إسرائيل للانتصار لأسباب عملياتية ومبدئية وليس فقط لترميم عقيدة الردع العسكري. لكن على أرض الواقع فإنها تتعثر فى تحقيق أهدافها فى ظل الصمود الفلسطينى.
وما يرجح أن تكسر الحرب الراهنة القواعد التى حكمت الحروب السابقة، أنها جميعها أصبحت معروفة لدى الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى. لكن الأهم أن الطرف الفلسطينى أصبح فاقد الثقة بأى وعود بعملية سلام بعد الحرب. فى الحقيقة، آن لإسرائيل بدلا من أن تنشغل بتغيير الوعى الفلسطينى بالحرب، أن تعمل على تصحيح وعيها حول قيمة السلام.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: