إذا كان ملف التعدى على الأرض الزراعية قد نال فى السنوات القليلة الماضية اهتماما غير مسبوق من القيادة السياسية، فإن هذا الملف يرقى اليوم، وبدون مبالغة، ليصبح قضية حياة أو موت. وأسباب هذا الاستنتاج المنطقى عديدة، وعلى رأسها أن هذه الأرض الزراعية هى ببساطة التى تنتج غذاءنا، ونعلم جميعا حجم العواقب الوخيمة المترتبة على شح الغذاء لدى الإنسان بصفة عامة، ولدى المصريين بصفة خاصة، على اعتبار أنهم اعتمدوا للحصول على غذائهم، وغذاء أبنائهم، على تلك الأرض.
ويضاف إلى ذلك، أن العالم كله يشهد فى هذه الأيام ارتفاعا مسعورا فى أسعار المواد الغذائية، نتيجة للحرب فى أوكرانيا، وللآثار المترتبة على التغير المناخى، مما يؤدى إلى تسخين الماء فيتبخر، ومن ثم تنخفض كميات المياه الصالحة للزراعة، وبالتبعية تنخفض كميات المحاصيل. وبناء عليه فإن أى عاقل يرى حجم التعديات التى نرتكبها فى حق أراضينا الزراعية لابد أن يصيبه العجب.
وطبعا فإن نقص الغذاء الناتج عن التعديات ليس هو الخطر الوحيد، بل هناك موضوع تلوث البيئة، حيث إن تآكل الغطاء الزراعى الأخضر يؤدى إلى انتشار انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، التى من المفروض أن تمتصها الأشجار والنباتات بمختلف أنواعها، بما فيها المحاصيل.
كذلك فإن من مخاطر القضاء على الأراضى الزراعية، بالبناء فوقها، تحطيم التوازن، الذى عرفه المصريون منذ آلاف السنين، بين الريف والحضر، وبالتالى ينزح سكان القرى والنجوع فى الدلتا والصعيد إلى القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى، فتنتشر العشوائيات، ويسود التوتر المواطنين، ويمكن الحديث أيضا عن أن تآكل التربة الزراعية، جراء بناء البيوت فوقها، يجعل العاملين الزراعيين يتحولون إلى عاطلين لأنهم لا يعرفون سوى الزراعة، فإذا رحلوا إلى المدن لا يجدون أعمالا لنقص خبراتهم، وقد تنتشر الجرائم بانتشار الفقر والفوضى.
كل هذه المخاطر كانت فى ذهن القيادة السياسية منذ توليها المسئولية، فعملت على إصدار القوانين، وتشديد العقوبات على كل من تسول له نفسه الاعتداء على شبر واحد من أرض مصر الزراعية. وقبل أسابيع أعاد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، التشديد على أن الدولة لن تتسامح أبدا مع أى محاولة للبناء فوق الأرض الزراعية، وأعلن تشديد الغرامة لتصل إلى نصف مليون جنيه على أى مخالف، كما أصدر أوامره لجميع المحافظين بالنزول بأنفسهم للمتابعة اليومية، حتى يشعر المخالفون بجدية الدولة فى هذا الشأن.
وفى هذا الإطار، بدأ تنفيذ حملة موسعة فى شتى المحافظات، لتعقب المخالفين، وهدم ما قاموا ببنائه بالمخالفة للقوانين، وللقرارات الحكومية المعنية بهذه القضية، وبالفعل فقد واصلت الأجهزة الحكومية، فى الأسابيع الأخيرة، حملاتها المكثفة لهدم أى بناء مخالف بمجرد وضع لبناته الأولى. وصدرت التوجيهات لهذه الأجهزة بإصدار تقارير دورية حول نتائج جهود المحليات فى هذا الشأن. وخلال الأسبوعين الماضيين، منذ بدء الحملة الموسعة، جرت إزالة 537 حالة تعد فى القليوبية بمساحة 29 فدانا، وفى بنى سويف تمت إزالة 134 حالة، وفى كفر الشيخ تتم الإزالة من المهد، قبل صعود البناء المخالف من سطح الأرض، وهكذا يتبين أن أرض مصر الزراعية ليست نهبا، ولا مطمعا، لأى مغامر يتاجر فى محاصيل الناس وزراعتهم.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: