كان للخطاب المصرى فى القمة العربية الإسلامية بالرياض، أهمية خاصة، ليس فقط لمكانة مصر, وإنما لأنها أيضا الدولة صاحبة التاريخ الأهم مع القضية الفلسطينية، وصاحبة أطول خبرة فى الحرب والسلام مع إسرائيل، وهى الدولة التى تدير سياساتها المتعلقة بالقضية بتوازنات دقيقة يصعب أن يقوم بها غيرها، فى ظل أسوأ المواقف وأعقد الأزمات، مما جعلها طرفا لا غنى عنه للجميع.
فى ست نقاط مركزة، تعامل خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة مع البنود الأساسية للوضع الراهن للحرب الإسرائيلية على غزة، وكان أول هذه البنود هو التعامل مع الحاضر المأساوي، بالمطالبة بإيقاف إطلاق النار فورا بلا قيد أو شرط، باعتباره الأولوية القصوى الآن لوقف نزيف الدم الفلسطينى والعدوان على المدنيين الأبرياء، بعد أن بلغ العدد 12 ألف شهيد على الجانب الفلسطيني، جلهم من الأطفال والنساء. وفى سياق الوضع الراهن أيضا أكد الرئيس على إيقاف ممارسات التهجير القسرى للفلسطينيين داخل أراضيهم أو خارجها، ودعا المجتمع الدولى لتحمل مسئوليته لضمان أمن المدنيين، وضمان نفاذ المساعدات.
ولم تشغل مآسى الحرب فى غزة مصر عن التأكيد على الأسس السياسية للقضية الفلسطينية وجذورها التاريخية، وهى الأسس والجذور التى تكاد تضيع وسط الأهوال والكوارث التى تغتال ذاكرة الماضي. لذلك، طالب الرئيس إسرائيل بتحمل مسئوليتها كقوة احتلال، وتسوية الصراع بناء على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وجاءت مطالبة الخطاب المصرى بإجراء تحقيق دولى فى الجرائم التى تشهدها غزة، تأكيدا للتعامل بمسطرة واحدة مع الجرائم ضد الإنسانية دون استثناء سلطات الاحتلال الإسرائيلى من ذلك، وحتى لا تتكرر مثل هذه الأفعال اللاإنسانية، ولكى يتم التعامل بقدر من المساواة مع مختلف المآسى التى من صنع البشر، بحيث لا يجرى استثناء أحد من العرض على المحاكم الدولية، التى وضعها الغرب كسيف مسلط على رقاب كثير من المسئولين والقادة فى العالم، لاصطياد مناهضى سياساته، بذرائع حقوق الإنسان.
أخيرا، لن يمكن نسيان توصيف الرئيس للممارسات التى يتعرض لها سكان غزة بأنها ممارسات تعود بنا إلى العصور الوسطي، وحديثه عن سوءات المعايير المزدوجة، وعن تهافت الادعاءات الإنسانية التى سقطت سقوطا مدويا فى هذا الامتحان الكاشف. هكذا اتسق خطاب مصر فى القمة مع الأوجاع والآلام التى يشعر بها كل المصريين فى الداخل، إزاء ما يتعرض له أشقاؤهم الفلسطينيون فى غزة.
لمزيد من مقالات رأى رابط دائم: