يتعقد موقف إسرائيل أكثر، وتتفاقم مشاكلها، لإصرار قادتها على المضى فى اختيارات خاطئة، لأنهم أعجز عن استيعاب المتغيرات المستجدة التى صدمتهم، وتصدمهم كل يوم، ولكنهم، بدلاً من ابتكار أساليب جديدة تتوافق مع المستجدات، إذا بهم لا يزالون يصرون على التعامل معها بالتمسك بالكتالوجات القديمة التى كان عليهم الإقرار بأنها لم تعد تلبى احتياجاتهم الحالية! وكان من هذا ردّ فعلهم على ما حدث فى داغستان، أحد أقاليم الدولة الروسية، مساء الأحد الماضى، عندما هاجمت أعداد كبيرة من الداغستانيين مطار عاصمتهم، بعد علمهم بوصول طائرة إسرائيلية تقل يهوداً من أبناء الإقليم كانوا هاجروا إلى إسرائيل، ثم قرروا إلغاء هجرتهم والعودة إلى بلادهم، بعد أن صُدِموا بأكاذيب الدعاية الإسرائيلية التى وعدتهم بالأمن والأمان، ثم إذا بالحرب تشتعل مع غزة فصار عليهم أن يمكثوا فى الخنادق والملاجئ خشية على حياتهم من صواريخ المقاومة. ولكن الداغستانيين يرفضون عودتهم، ويصرون على إجبارهم على العودة إلى إسرائيل، فاقتحموا المطار وهم يحملون أعلاماً فلسطينية ويهتفون ضد اليهود بأنهم قاتلو أطفال غزة، بل ويطالبون بطرد كل اليهود من بلادهم. أمام هذا الحدث الضخم فى معناه وفى آثاره، والذى لم يكن مدرجاً قط فيما هو متوقع، تعامل بنيامين نيتانياهو وفق ما هو معمول به فى السابق، فأصدر مكتبه بياناً قال فيه إن إسرائيل تتوقع من السلطات الروسية حماية جميع المواطنين الإسرائيليين، وجميع اليهود، والتصرف بشكل حاسم ضد مثيرى الشغب وضد التحريض..إلخ. رد فعل الإسرائيليين إزاء واقعة داغستان غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، يدلّ على أنهم يبتعدون عن إيقاعات العالم المتغيرة، وأنهم لا يزالون يصرون على أن القوة وحدها ستحلّ لهم كل شىء، مادام أنه ليست هناك روادع تمنعهم من الإفراط فى استخدام القوة، وليست هناك قدرة على إدانتهم من مجلس الأمن، وأن هناك من يحميهم من أن يمثلوا أمام المحاكم الدولية. كما أنهم لا يزالون يستهينون بقوة الفلسطينيين التى زادت وتطورت نوعياً فى السنوات الأخيرة، وأنها إذا لم تكن قادرة على إحداث خسائر عسكرية كبيرة بالجيش الإسرائيلى، فإنها صارت قادرة على إثارة الفزع فى السكان الإسرائيليين، وإجبارهم على المكوث فى الملاجئ وجعلهم يفكرون فى الهجرة خارج إسرائيل.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: