-
مهندس القصور الخديوية شيده على الطراز الإيطالى..ونفذه مقاول يونانى.. واشتراه سليم وبشارة تقلا
لم يكن أنطونيو لاشياك (1856- 1946) المهندس الإيطالى الذى ولد فى شمال إيطاليا عام ١٨٥٦ يعتقد أنه سوف يتولى فى يوم من الأيام منصب كبير مهندسى القصور الخديوية المصرية وأنه سوف يصبح أيقونة العمارة الإيطالية فى مصر، بما صممه من مبانٍ وقصورٍ تقف شامخةً حتى الآن، ومنها «قصر أجيون» الرابض وسط مدينة الإسكندرية، وبالتحديد فى شارع فؤاد أو شارع رشيد قديماً، والذى تشغله جريدة الأهرام حالياً.
المبنى العريق يعود تاريخه إلى عام ١٨٨٧، وترجع فكرة إنشاء «جريدة الأهرام» حينما تقدم اللبنانى سليم تقلا الذى انتقل للحياة فى الإسكندرية بطلب إلى الحكومة المصرية مكتوباً بخط اليد على تذكرة رسمية ثمنها ثلاثة قروش، يطلب فيها إنشاء جريدة عربية فى مدينة الإسكندرية تحت أنظار الحكومة السنية مع إتباع القوانين التى تتعلق بالجرائد، وأضاف أن الجريدة الُملتمس إنشاؤها سوف تحتوى على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية دون أن تتدخل فى الأمور البوليتيقية (السياسية) وأن المطبعة المقتضى طبع الجريدة بها كائنة بجهة المنشية تحت اسم «مطبعة الأهرام»، ولذا فإن الجريدة المذكورة ستسمى «الأهرام».
وبالفعل حصل سليم تقلا على الموافقة فى ٢٧ ديسمبر ١٨٧٥، واختار مقراً لجريدته عنواناً كتبه على صدر العدد الأول بالشكل التالى: «شارع البورس (البورصة) بالإسكندرية أمام بنك الرهونات».
قصر أجيون
واستمر العمل فى هذا المكتب حتى قامت الثورة العرابية وضرب الأسطول الإنجليزى المدينة وحرقها وتم تدمير مكتب الجريدة ومطبعتها عام ١٨٨٢، وتعطل العمل بها لفترة ثم عاد آل تقلا لطباعة الجريدة فى المطبعة المهدمة وتنقلوا بين عدة أماكن حتى استقروا فى مبنى بطريق الحرية بوسط المدينة، وهو المبنى الذى تشغله الجريدة حتى الآن.
ويقول المهندس محمد عوض الرئيس السابق للجنة حماية التراث بالإسكندرية إن هذا المبنى وعنوانه ١٠ طريق الحرية مُسجل ضمن المبانى الأثرية فى مجلد حماية التراث بالمدينة منذ عام ٢٠٠٨، ويرجع تاريخ تشيده إلى أعوام ١٨٨٥ - ١٨٨٧. ويطلق عليه مبنى «قصر أجيون»، نسبة إلى عائلة «أجيون» التى كانت تمتلكه، وهى عائلة يهودية ثرية كانت تعمل فى مجال تجارة وتصدير القطن، وكانت تمتلك العديد من العقارات والشركات والبنوك المصرفية.
وقد تعرضت عائلة «أجيون» هى الأخرى للضرر بعد ضرب الإسكندرية فى عام ١٨٨٢، فتهدمت بعض منشآتها ولكنها قاضت الحكومة، واستطاعت الحصول على تعويضات ضخمة مكنتها من بناء مبنى جديد ليكون مقراً سكنياً لها، وهو المقر الحالى للأهرام، واختارت له موقعاً متفرداً فى شارع باب رشيد، وهو اسم الشارع قديماً.
وعهدت بتصميم المبنى إلى المهندس الإيطالى البارز «أنطونيا لاشياك» الذى عين فيما بعد مهندساً للقصور الخديوية فى عهد الخديو توفيق وقد قام ببناء المبنى على الطراز الباروك الإيطالى والذى يتفرد بتشكيلاته من المفردات المعمارية مثل رءوس الأفيال التى تحمل الكورنيش وأسقف المبنى، وقد قام بتنفيذ المبنى المقاول اليونانى البارز «جورج زورو» والذى عمل فى إعادة إعمار المدينة مع لاشياك فى معظم مبانيه التى امتلكتها الشركة العقارية المصرية فى «منطقة المنشية وشارع شريف باشا».
وبعد تأسيس «الأهرام» وضرب الإسكندرية بفترة تمكن الأخوان سليم وبشارة تقلا من شراء المبنى من أسرة «أجيون» ليكون مقراً للجريدة، وتم عمل بعض الديكورات بها وتركيب أبواب داخلية تحمل حليات من الحديد المشغول لشعار «الأهرام»، وإعداد المبنى ليكون مقراً للصحفيين.
ويضيف المهندس عوض أن الأخوين تقلا قاما باستخدام الدور الأول، وتأجير الجزء العلوى لشركة التأمين الأهلية (سيلفاستوبولوس )، والتى انتقلت فيما بعد إلى المبنى المواجه للأهرام، كما قاموا بتأجير الدور الأرضي، لأحد محلات الفراء العالمية الشهيرة فى ذلك الوقت، وهو محل ( سيستوفاريس )، والذى كان له أفرع فى مدن أوروبية كثيرة مثل جنيف وباريس ولندن بالإضافة إلى نيويورك حيث كان ارتداء الفراء هو أحد مظاهر الثراء لسيدات المجتمع السكندرى. وكان أحد أبناء سيستوفاريس قد تزوج ابنة الممثل العالمى شارلى شابلن.
ومؤخرا، والكلام مازال على لسان عوض، تم إضافة دور علوى آخر للمبني، لا يتناسب مع طراز المبنى الأصلي، كما تم تأهيل الدور الأرضى فى سبعينيات القرن الماضي، ليتحول إلى مكتبة لـ «الأهرام». وهكذا ظل مبنى «جريدة الأهرام» منارة ومركز إشعاع ثقافى وحضارى للمدينة منذ قيامه وحتى الآن .> بعد مقرها الأول فى الإسكندرية الذى شهد أول الاعداد وأولى الأزمات، جاء الانتقال إلى القاهرة فى 3 نوفمبر 1900. وصار مقر»الأهرام» فى منطقة وسط البلد بشارع «مظلوم»، هو الشائع والمعروف لدى كثيرين.
رابط دائم: