تعبر الصدامات والحروب عن ذروة الخلاف بين الأطراف المتصارعة، وتشير إلى بلوغ الغضب مستويات لا يستطيع أحد أطرافه أو كلهم تحمله. ومع انطلاق الشرارة الأولى ينفجر مخزون هائل من التفاعلات التى تكون حبيسة نفوس وعقول البشر لسنين. وذلك ما أظهرته عملية طوفان الأقصى، التى قرأ قبلها الفلسطينيون إشارات تنذر بالخطر الوجودى على قضيتهم.
وسوف يعاود الفلسطينيون والإسرائيليون تكرار دورات الصراع والحروب وتفجير مخزون الغضب المكتوم، إذا قررت إسرائيل المضى قدما وتصرفت بالسلوك الاعتيادى الذى أقدمت عليه دائما فى مثل هذه الظروف، بالمواجهة بمنتهى القمع والدمار بقوة غاشمة وعقاب المدنيين وتهجير السكان، لتأكيد الدرس فى نفس الطرف الآخر بأنها تلحق به خسائر تتجاوز أضعاف ما استهدفه بسلوكه، على النحو الذى يردعه. لكن هذا الدرس قد يصعب تأكيده لدى الفلسطينيين الآن، بعدما لم يعد لديهم ما يخسرونه. شيء واحد فقط يمكن أن تكسب به إسرائيل، وهو لو تمكنت من إعطاء الفلسطينيين الحقوق التى يشعرون بخسرانها فعليا، عندما يجرى حرمانهم منها، وهى: التسوية العادلة التى تضمن الدولة وفق حدود ما قبل 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والعيش بكرامة. وإذا فعلت إسرائيل ذلك فسيكون الأمن والاقتصاد الفلسطينى هو أكبر ضمان ضد الحرب والعنف، وهو أكبر ضامن للرخاء والازدهار الإسرائيلى أيضا.
والآن تتمحور تفاعلات المنطقة كلها حول القضية الفلسطينية وما يجرى فى غزة، وهو ما تتركزعليه الجهود والاتصالات المصرية، وليس آخرها اللقاء المصرى التركى أمس الأول بالقاهرة. وتقف المنطقة الآن أمام خيارين لا ثالث لهما للمستقبل، يتوقف كلاهما على السلوك الإسرائيلي:
الأول أن تقرر إسرائيل، أن تتصرف على غير النحو الذى اعتادت عليه لسبعين عاما، بوقف الحرب والدمار، وأن تجرب الانتصار للحياة على العقاب الجماعى الذى يطال المدنيين الأبرياء. وقد يكون فى منتهى الحكمة والرشادة إذا عملت هى نفسها على إعادة بناء وإعمار غزة، وهنا تكسب سياسيا ومعنويا، بتأكيد ما تقوله عن نفسها بأنها بلد ديمقراطى متحضر.
أما الخيار الثانى فهو أن تقررالمضى فى مسلسل الخراب والدمار والكوارث الإنسانية على النحو المعتاد، ويبقى كل شيء على ما هو عليه لخمسين سنة أخرى، وربما لكل التاريخ المقبل للقضية.
لمزيد من مقالات رأى رابط دائم: