رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خمسون عاما.. حقائق ما جرى فى أكتوبر 1973 (5)

يأتى فى كتاب «انتصار أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية»؛ استعراض دقيق لما جرى فى جلسة المشاورات التى عقدت بمكتب رئيسة الوزراء، مساء يوم 8 أكتوبر 1973 فى تمام السابعة وخمسين دقيقة.اكتسب هذا الاجتماع أهميته البالغة؛ كونه قدم صورة متكاملة لحصيلة ما جرى من متغيرات على الصعيد العملياتي، خلال الأيام الثلاثة الأولى من عمر الحرب، فضلا عن تقدير المسارات التى ركزت القيادة السياسية على بحثها، لما يمكن للجيش الإسرائيلى المضى فيه لاستيعاب الإخفاق الذى بدا جليا على جبهتى القتال بالقناة والجولان.

فى محضر هذا الاجتماع يطرح الفريق بارليف السؤال: ماذا يحدث عند القناة ؟ فيجيب العميد يسرائيل لينور: الآن اتجه بيرن (أبراهام آدان) جنوبا، وهو يحاول التقدم بطول خط حصون خط بارليف، والانضمام إلى المواقع المحاصرة. فيما ينفذ أريك (ارييل شارون) هجوما بوتيرة معينة. لقد أصدروا لـ أريك فى تمام العاشرة صباح اليوم أوامر بالتحرك، لكنهم غيروا له الخطط فيما بعد، وتقضى الخطة التى أعدت بأن يبدأ هو من المزرعة الصينية ويتجه جنوبا، ونحو الساعة الثالثة والنصف عصرا بدأ أريك يظهر مع الفرقة وانضم إلى بيرن، الذى وصل إليه. لقد نفدت ذخيرة ألبرت (ألبرت ماندلر) حاليا، حيث أخذ يضغط طوال النهار من أجل الوصول للقناة، لكن الآن أصبح ألبرت بعيدا. فقد سمع المصريون بذلك، وبدأوا ممارسة الضغط عليه فانسحب. والآن قبيل الليل سيرسون الخط من جديد، وهو مكون من: بيرن وألبرت وأريك، بحيث يبدل بألبرت لواء جديدا يتيح له إعادة التنظيم. ووفق محضر الاجتماع؛ تدخل السيد تسفى زامير (مدير جهاز الموساد) قائلا: المصريون يريدون السيطرة على قطاع يتراوح بين 10 ـ 12 كيلومترا، وهم يسيطرون الآن على قطاع كهذا. بيرن لم يصل بالفعل إلى القناة، فهو بعيد عنها. أكد العميد يسرائيل لينور ذلك بقوله: إنه لا يقترب من خط حصون بارليف.

فى نفس الاجتماع، ومع احتدام النقاش حول تعثر «الهجوم المضاد» الإسرائيلى الذى كان الحوار السابق يدور بشأنه. تدخل تسفى زامير مرة أخرى قائلا: نحن نعلم الخطة المصرية، فلم نصل إلى حالة من الخديعة. إن لديهم قوات ثابتة، «سلاح جوى»، بالإضافة إلى صواريخ البازوكا، والصواريخ المضادة للدبابات. إنهم يجلسون الآن على خط حصون بارليف، ويطلقون النار. المصريون يريدون بدء الهجوم بواسطة الفرق الميكانيكية، ونحن نتحرك حول تلك القوة، إذا ظللنا مصرين على الاقتتال من أجل الوصول للقناة، فإن الوضع سيصبح صعبا، والخيار هو أننا سنتجه نحو المصريين. رئيسة الوزراء السيدة مائير: أنت تقول إننا نعلم الخطة، إذا كان الأمر هكذا ماذا يفرق، إنهم سيتقدمون. أنا أحذر من الإعداد لإرساء خطوط داخلية، فهذا لن يصمد، إذا أرسينا خطا عند هذه النقطة أو تلك، فإن ذلك لن يدوم. السيد تسفى زامير: السؤال هو كيف نحصل على دبابات؟ وكيف نحصل على المزيد منها؟ السيدة مائير: من فضلك، بالأمس تحدثوا عن ذلك، وتحدثوا كثيرا. أنا أريد أن نعلم أن تلك كارثة، هذا لا يمثل استقرارا، والحرب ستظل تدور حول هذا الخط أو غيره من الخطوط.

بدا من سير النقاش داخل تلك الخلية المصغرة؛ أن رئيسة الوزراء تحاول وضع أركان قياداتها أمام الواقع الذى انتجته الأيام الثلاثة الأولى، وتدفعهم لإيجاد حلول واقعية يمكن الاعتماد عليها فى الأيام التالية لإنجاح الهجوم المضاد قدر الإمكان. لذلك تتدخل قائلة: فى خط كهذا (تقصد خط المضايق) ستحصل على 100 دبابة أخرى، أنا لا أفهم ماذا تعنى دبابة. غير أننى اعتقد أننى أفهم العقلية المصرية؛ لقد شموا رائحة الدماء، وحينئذ سيتمادون فى ذلك. يعود رئيس الموساد ليطرح ما لديه قائلا: السؤال هو عما إذا كان فى الإمكان شن هجوم وتحقيق الحسم على خط القناة، الظروف لا تتغير، طالما لن يكون هناك مزيد من المدرعات. رئيسة الوزراء مائير: أريد أن أعلم إن كان وضعنا منذ الظهيرة قد تدهور أم تحسن، عند القناة ؟ فيرد تسفى زامير قائلا: التقدير لدينا، هو أن الوضع لم يتحسن. انفض الاجتماع ولم تصل الخلية الوزارية إلى شيء ذى بال، فقد ظل التخبط والتعثر سيد الموقف كما هو واضح من الأحاديث المتبادلة، مما استلزم أن تقوم رئيسة الوزراء السيدة مائير بعقد جلسة موسعة أخرى فى صباح اليوم التالى 9 أكتوبر، غلب فيه على المدعوين حضور معظم القيادات العسكرية صحبة وزير الدفاع موشيه ديان لعرض ما لديهم.

فى الفصل الرابع من الكتاب الإسرائيلى «التقصير» المحدال, الذى جاء بعنوان ليس بالدماغ وحده بل بالعقل أيضا، والمقصود هنا الدماغ الإلكترونى والعقل البشري. أن موشيه ديان بعد ثلاثة أسابيع من سريان وقف القتال فى حرب يوم الغفران، كان باجتماع لضباط الجيش الإسرائيلى فى الجبهة الشمالية وقال: لم يكن أحد يتوقع حتى صباح يوم الغفران أن تنشب الحرب فى ذلك اليوم، لم أفكر أنا شخصيا فى أن الحرب ستقع، ولم أسمع من أى شخص أنه يعتقد أن الحرب ستندلع فى ذلك اليوم. ويعلق الكتاب على حديث وزير الدفاع فى الفقرات التالية بالقول؛ خلال الأيام العشرة التى سبقت الحرب، كان فى إسرائيل اتجاه واضح إلى منع أجهزة اعلام الدولة من إمكان توجيه أى تحذير. ومنع نشر الأنباء عن سابق إصرار، التى أشارت إلى نية مصر وسوريا للبدء بعمل حربى على نطاق واسع. تطرق لهذه النقطة إسحاق رابين رئيس أركان الجيش الإسرائيلى فى حرب الأيام الستة 1967،شارحا فى حلقة ضيقة لقيادة حزب العمل هذه المأساة كما بدت فى نظره: يطلق على ذلك بالإنجليزية Mental Block وقع موشيه ديان ورئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، فى انغلاق ذهني. فقد كانوا أسرى إيمانهم الشديد بأن الحرب مسألة بعيدة، وجوهر المأساة سقوطهم فى فخ الاعتقاد أن المصريين غير قادرين أو مؤهلين لخوضها.


لمزيد من مقالات خالد عكاشة

رابط دائم: