من المعضلات الكبرى التى تعانى منها كل المجتمعات فى السنوات الأخيرة، أن بعض المشاكل تبدو غامضة، ولا يظهر منها سوى أن بعض الباحثين عن الثراء الفاحش السريع يتحللون من الضوابط القانونية والأخلاقية، ولا يرتدعون عن استغلال أى وسيلة تساعدهم حتى لو كان بانتهاكهم قواعد الحريات التى يركبونها فى الاتجاه العكسى بما يدمر ما حققته أجيال من البشر عبر قرون ممتدة بتضحيات جمَّة! وقد شكَّل هؤلاء المنتهكون واقعا جديدا لا تزال المجتمعات المتقدمة عاجزة عن فهم آلياته وأهدافه. خُذْ عندك هذه الحالة التى فرضت نفسها فى الفترة الأخيرة، بسبب انتشارها الواسع وتأثيرها بالغ الخطورة على الأطفال، فى ظاهرة المواقع شديدة الجاذبية للأطفال التى تعرض لهم مادة شيقة، ولكن، ولسبب غريب تتناقض هذه المادة مع الحقائق العلمية الراسخة، كما أنها تقطع أحيانا بأحكام فى مسائل يُقرّ العلماء بأن العلم لم يحسمها بعد، كما أنها تخلط خلطا غريبا بين الخيال وبين الواقع، بل إنها تحكى خيالات وتنسب لها وجودا ماديا..إلخ. الخُلاصة، أن هذه المادة المشبوهة تحشو عقول الأطفال فى سنوات التكوين الأولى بأخطاء معرفية يصعب تصويبها مستقبلا، والأخطر أنها تغرس لديهم الخرافة بدلا من تهيئة عقولهم اليانعة للمنطق والعلم! وما يثير الشبهات حقا هو أن بعض هذه المادة تُعرض تحت عنوان (محتوى تعليمى)!
وقد عرض موقع بى بى سى/ عربى تقريرا مهما، عمل فيه فريق متخصص فى تتبع المعلومات المضللة، واكتشف أن بعض قنوات اليوتيوب قد تنشر معلومات علمية كاذبة! وحدَّد فريق العمل أكثر من 50 قناة بأكثر من 20 لغة، منها العربية، تنشر معلومات مضللة فى شكل محتوى علمى، تشمل علوما زائفة ومعلومات كاذبة ونظريات مؤامرة، مثل نشر أخبار عن أهرامات الجيزة بأنها كانت أبنية لإنتاج الكهرباء، وإنكار تغير المناخ الذى يتسبب فيه الإنسان، والتأكيد على وجود كائنات فضائية والزعم أن لها تسجيلات مع بشر..إلخ. والمؤكد أن هذه القنوات تحقق أرباحا كبيرة من فيض الإعلانات التى تسعى لاكتساب جماهيرها المليونية.
بالطبع، فليس هذا من الإبداع الذى تحميه أسس الحريات، مما يجعلها من المعضلات العصرية التى تواجه دول القانون الحديثة، لأن الشبهات تتجاوز الرغبة فى كسب المال إلى أغراض أخرى لاتزال مبهمة.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: