ستَبقَى تجربة فريدة لمن عاشوا بأنفسهم هزيمة 1967 وبعدها نصر أكتوبر 1973، وكان فضل النقلة التاريخية لجيش مصر العظيم الذى ظُلِم فى الهزيمة بسبب بعض قياداته، ثم استعاد جيل جديد المكانة التاريخية لمصر بنصر تاريخى عندما استتبَّت لهم الأمور، فاستعادوا للمصريين كبرياءهم التى جُرِحت فى الهزيمة، فحتى دون إشارة إلى دور الحرب النفسية الشرسة، فلقد كان الواقع نفسه مؤلما، باحتلال جزء غالٍ من الوطن، ثم بطائرات العدو المقاتلة تخترق العمق وتقتل أطفال المدارس وعمال المصانع، وأزمة حادة غير مسبوقة فى العصر الحديث، فى المواصلات والكهرباء والمياه، وفى توفير الغذاء وبقية السلع، وبانتظار تلبية احتياجات الأسرة الأساسية عن طريق بطاقة التموين، حتى الشاى وأعواد الثقاب..إلخ. ورغم هذا، فلا يَعلَق فى ذاكرة من عاشوا هذه السنوات سوى أن المظاهرات الصاخبة من المصانع والجامعات لم تحتج قط، ولا مرة واحدة، على عدم توافر المطلوب فى الأسواق، وإنما كانت هتافات المتظاهرين المدوية تُندِّد بتأخر الحرب لتحرير الوطن، خاصة بعد إيقاف حرب الاستنزاف، مع الضغط على الحكومة، لحد الصراخ، لتقبل تطوع العمال والطلبة للمشارَكة فى الحرب. ولم يجرؤ أحد على الخروج علنا على الخط الوطنى فى تنفيذ أحكام الإعدام ضد الخونة المتعاملين مع الأعداء، وحتى محامى الخائن، لم يكن أمامه إلا إنكار التهمة أو طلب الرحمة له، ولم يقل أحد إنه يمارس حرية التعبير أو غيرها من الحريات، ولا إنه لجأ إلى الأعداء هرباً من ظلم فى الوطن! قارِن هذا ببعض اعتراضات هذه الأيام ضد أحكام بإعدام إرهابيين فى جرائم ضد الشعب يروح ضحيتها مواطنون مصريون مرصودون وآخرون يُلقِى بهم حظهم العاثر فى مسارات الشظايا!
كانت إستراتيجية الخداع ناجحة إلى حد وقوع الشعب المصرى فى براثنها، فلم يُصدِّق أن الحرب وشيكة. ومن المؤشرات الجديرة بالتسجيل أن مسئولين بالداخلية أعلنوا فى الصحف، أن محاضر الشرطة لم تسجل جريمة سرقة واحدة خلال أيام الحرب، وعلّق البعض آنذاك بالإشادة بأخلاق اللصوص الذين تضامنوا مع إخوانهم على جبهة القتال، وحرَّموا على أنفسهم أن يسرقوا فى هذه الأيام.
سؤال من السياق: لماذا لا يصطّف بعض المصريين فى معارك بناء الوطن بنفس القدر الذى يقاومون به احتلال أرضهم؟.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: