أخذت قضية الذكاء الاصطناعي زخما جديدا بعد مناقشتها من قبل مجلس الأمن الدولي في 18 يوليو 2023، وهو الأمر الذي يعني ضمنيا دخولها كمهدد جديد للسلم والأمن الدوليين ، ويمهد الطريق لتبني استجابة دولية لمواجهة الاستخدام غير المنظم لتلك التطبيقات وما ينجم عنها من تهديدات عابرة للحدود تؤثر في الأمن الجماعي الدولي .
ويأتي ذلك بعد أن شهد القرن الحادي والعشرون جملة من التغييرات الكمية في مجال تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة ،والتي أنتجت بدورها تغييرات كيفية أصبحت ضاغطة نحو تبني سياسات دولية جديدة تتلاءم مع حالة التغير السريع الذي أحدثته.
وحققت تطبيقات الذكاء الاصطناعي مصالح غير مسبوقة للمجتمع الدولي سواء على مستوى الخدمات المدنية او على مستوى تعزيز جهود السلام ومواجهة الأزمات والكوارث الإنسانية،والرصد والتحليل والتنبؤ بأنماط الصراع ،ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان ووقف إطلاق النار في مناطق النزعات المسلحة. وهو ما يصب في تحسين عملية صنع القرار وفرص الاستجابة الدولية لحفظ السلم والأمن الدوليين. ولكن فرضت تطبيقات الذكاء الاصطناعي خاصة التوليدي تحديات جديدة أخرى ترتبط بخصائصها المتمثلة في قدرتها التخريبية وحجم خسائرها أو بانتشار تأثيراتها، وتطورها السريع ورخص تكلفتها في ظل وجود فجوة تشريعية وسياسية أو تقنية تحد من تأثيراتها.
وتواجه حوكمة الذكاء الاصطناعي بتحديات التوافق بين ثلاثة توجهات كبري ما بين اعتبار أن السوق هى المحرك الأساسي لتلك الجهود الدولية مثل موقف الولايات المتحدة، أو أن تكون الدولة هي المحرك لعملية الحوكمة وفق وجهة النظر الصينية، أو مع موقف أوروبا المرتكز على دور الحقوق الفردية والجماعية. وأن وقف تطوير الذكاء الاصطناعي سيساعد في هيمنة واحتكار أطراف دولية ومنع وصول اطراف دولية أخرى، وهو ما يعيد ما أقرته الدول الكبرى بـالنادي النووي. ويأتي سباق التسلح في إطار صراع متعدد الأوجه بين القوى الدولية، وهو ما يجعل هناك صعوبة في التنازل عن السباق بدون ضمانات دولية أو إجراءات بناء الثقة او بتخفيف حدة التوتر والصراع في النظام الدولي والذي يحمل أبعادا تجارية وأمنية واقتصادية. وأصبح هناك صراع خلفي حول مقدرات وموارد البنية التحتية للذكاء الاصطناعي مثل شبكات الجيل الخامس او السادس او انترنت الأشياء او أشباه الموصلات أو الاستحواذ على البيانات الشخصية وغيرها،وأصبح الحد من وصول اي طرف دولي لها يعطل من قدراته في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتأثير التأخر في تبني تطبيقاته في تعزيز فرص النمو الاقتصادي،ومواجهة الأزمة الديموغرافية خاصة في الدول المتقدمة.وتتمثل التحديات السياسية في التدخل في تقويض النظم السياسية والانتخابية ،وممارسة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والتلاعب بالسلوك البشري والتزييف العميق ونشر الأخبار المضللة ونشر الكراهية والاستقطاب والتحيز في العلاقات الدولية والتأثير سلبا في نظم عمليات الحضارة البشرية عبر إنتاج الرموز الثقافية بناء على تفاعل الخوارزميات.وزيادة مخاطر تهديدات الأمن السيبراني وإمكانية توظيفها في أعمال الجريمة المنظمة عبر الحدود وفي عمل المنظمات الإرهابية بما يشكل تهديدا لأمن وسلامة البنية التحتية.
ويواجه اتفاق جماعي للحد من تسلح الذكاء الاصطناعي بصعوبات فنية كالرقابة والتفتيش وحظر الانتشار مقارنة بما قدمه المجتمع الدولي لمواجهة أسلحة الدمار الشامل. والاتفاق حول ماهية الاستجابة الدولية سواء داخل المنظمات الدولية الموجودة بالفعل ام تدشين منظمة دولية جديدة معنية بالذكاء الاصطناعي، وكان من ضمنها إنشاء معهد أبحاث دولي للذكاء الاصطناعي أو إنشاء هيئة عالمية لمراقبة الذكاء الاصطناعي مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو إنشاء إطار ترخيص عالمي لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي ونشرها.
وتتطلب عملية تطوير أطر وسياسات حوكمة الذكاء الاصطناعي مناقشات عميقة بين جميع أصحاب المصلحة من الحكومات وخبراء الصناعة والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني للتوصل إلى توافق في القيم والأهداف المشتركة والتوازن بين المنافع والأضرار المحتملة،وبين المصالح التجارية والمبادئ الأخلاقية.
وأن يكون الوعي ركيزة لمواجهة أخطار الذكاء الاصطناعى .والكشف عن الخوارزميات بشفافية من قبل الشركات ووقف نشرها غير المسئول في الفضاء السيبراني كمرفق عام دولي، ومواجهه صعوبات تحويل الذكاء الاصطناعي للصالح العام الرقمي بسبب احتكار الأنظمة الخوارزمية وملكية الشركات الكبري لها، وذلك على أساس توظيف الذكاء الاصطناعي كحق للجميع دون تمييز في التنمية المستدامة، وتجسير الفجوة ما بين الدول المتقدمة والدول النامية. في ظل عقبات تطبيق الأمم المتحدة للأمن الجماعي لعوامل داخلية وأخرى خارجية تفرض تهديدات الذكاء الاصطناعي أهمية امتلاك قوة رادعة للمجتمع الدولي ومواجهة تأثيراتها العابرة للحدود وذلك عبر التكامل ما بين المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
وهناك حاجة لتطوير مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية التي تنظم التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأهمية التقدم بشأن اتفاق دولي ، للحد من سوء الاستخدام والحفاظ على آليات الرقابة والتحكم البشري. ووجود هيئة مختصة بالذكاء الاصطناعي أو تفعيل دور مؤسسات قائمة بالفعل،ووجود آليات تنفيذية ترتكز على حشد الموارد لتفعيل القرارات لمواجهة الانتهاكات وفرض عقوبات محتملة ضد الدول والشركات التي تخالف إرادة المجتمع الدولي.
وتعد قمة المستقبل للأمم المتحدة عام 2024 خطوة في إعادة النظر فى مدى فاعليتها فى مواجهة التهديدات غير التقليدية للأمن الجماعى الدولى.
لمزيد من مقالات د. عادل عبد الصادق رابط دائم: