الآن، ونحن فى أجواء احتفالات الذكرى الحادية والسبعين لقيام ثورة يوليو 1952، يحق لنا- بل ينبغى علينا- أن نراجع، وأن نتعلم، وأن نصحح! تلك هى السمات المفترضة للأمم الحية فى تعاملها مع تاريخها، خاصة الوقائع والأحداث المفصلية فيه. وهاأنذا أفعل ذلك، بل وأكرر وأؤكد، ما سبق أن قلته مرارا حول موقف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من القومية المصرية! لماذا أكرر تأكيد تلك القضية...؟ لأنها مثلت انقطاعا فى مسار النهضة القومية المصرية الحديثة، الحقيقية والمؤكدة تاريخيا وحضاريا وثقافيا…لمصلحة ما سمى قومية عربية مفترضة، لا وجود لها... فهناك – فى العالم العربى- هويات قومية أو دون قومية عديدة: العراق بأصوله التاريخية العريقة والمؤكدة، وهناك منطقة الشام التى شملت تاريخيا سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ثم منطقة الجزيرة العربية واليمن... والتى نظمتها فى العصر الحديث – بعد الحرب العالمية الأولى، وهزيمة الدولة العثمانية- اتفاقات سايكس بيكو، ومراسلات الحسين مكماهون، فضلا عن وعد بلفور للحركة الصهيونية بشأن فلسطين! أما فى الغرب فقد تحررت ليبيا من الاستعمار الإيطالى، وتحررت تونس والجزائر والمغرب متأخرة من الاستعمار الفرنسى، لتجاهد وتجتهد لبلورة هوياتها الوطنية العريقة، التى تداخلت أيضا مع الهوية الأمازيغية. هذا التنوع والتباين، من المحيط إلى الخليج، تجمعه لغة عربية واحدة، ذات لهجات متباينة، ومشاعر عاطفية واحدة، أسهمت فى تنميتها بلا شك الثقافة المصرية بكل فروعها المكتوبة والمسموعة والمرئية. غير أن خطيئة عبدالناصر الكبرى، كانت أنه تجاهل القومية المصرية المؤكدة، والتى كان سعد زغلول رائدها الحديث، لمصلحة فكرة وهمية اسمها القومية العربية، بل وإلغاء اسم مصر نفسه لأول مرة فى التاريخ لتكون الجمهورية العربية المتحدة حتى بعد الانفصال السورى! وأكرر، أن الرابطة المصرية - العربية رابطة قوية لها أبعادها الوثيقة، التى كانت ولاتزال ذخرا ثمينا لطرفيها بلا ادنى شك، ولكن هذا لا ينبغى أبدا أن يكون على حساب القومية المصرية، إحدى أولى القوميات، فى العصر الحديث... تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر!
Osama
[email protected]لمزيد من مقالات د. أسامة الغزالى حرب رابط دائم: