بات لافتا ان التغييرات والتحولات التى تدور رحاها بهذه الديناميكية والحيوية، التى يشهدها ويعيشها العالم حاليا ليس عنوانا وحكرا على المستوى الدولى ودوله وتكتلاته الكبرى فقط حسب ديناميتها المتعارف عليها، بل ان إقليم الشرق الأوسط الذى يشكل عالمنا العربى الكتلة الصلبة والأكبر فيه، بات هو الآخر يشهد الجزء الأكبر من هذه التبدلات، حيث تتسارع الخطى وتنتظم الحركة بشكل غير معهود، لأجل إحداث الاختراق المطلوب، وتعويض سنوات التشظى والتمرد، والانسداد السياسى والاقتصادى والمصالح المتضاربة بسرعة تتجاوز السنوات الضوئية، أملا فى الوصول إلى توافق وخلق تكتلات جديدة على جميع الأصعدة، وتلاقى واندماج فى مشاريع التغيير الحقيقية، والتخلى تدريجيا عن أحلام الهيمنة والتموضع لأجل أهداف ذاتية عابرة لهذا البلد أو ذاك، وهذا ما تنبئ به صيرورة الأحداث وتفاعلاتها على مدى اليوم الواحد حاليا، وليس كل عدة أعوام كما كان يحدث فى الخمسين عاما الماضية، عندما أصاب الإقليم ودوله التكلس، والمتابع والمتأمل لحركية الأحداث والتطورات حاليا بات يلاحظ ان هناك عملية استفاقة، ونوبة صحيان تضرب الجميع بلا استثناء، ماعدا طرف واحد هو إسرائيل، مازال يعيش بعقلية المعتدى الغاشم، غير مدرك طبيعة تلك التغييرات الجيوسياسية، والتى ستفرض وربما فى وقت قريب وقياسى معادلات جديدة، وعلاقات فريدة وتشابكات ومصالح حيوية تفرضها الضرورة الحتمية لواقع شرق أوسطى جديد يتشكل حاليا. واقع الحال الجديد يشى بأن النية ترجمت والقرار اتخذ ، للبدء فى تصفير الأزمات والمشكلات الكبرى بين اللاعبين الكبار فى الإقليم، بكل أقطابه المؤثرين الفاعلين أصحاب الحضور والقوة والتموضع، ذات الثقل والتاريخ وأصحاب الأرض والأوطان الحقيقية وليست المصطنعة والغاصبة بالقوة وجرائم المجازر الوحشية، والتى تحظى بكراهية عميقة، وهى بالطبع الكيان الإسرائيلى مهما حاولنا إخفاء تلك الحقيقة بغربال الشمس المثقوب، فالحراك الإيرانى الجديد باتجاه التعاطى الإيجابى مع المملكة العربية السعودية بوساطة صينية، ورغبة طهران فى تحييد وتصفير أزماتها مع العالم العربي، وإلحاحها على سرعة تنفيذ الالتزامات ورسم علاقات طبيعية مع سائر دول الخليج، وبقية الدول العربية، وفى المقدمة مصر، والذى ربما يحمل القادم جديدا بشأن ملف العلاقات المصرية - الإيرانية بصيغة تلبية المطالَب والاشتراطات المصرية، حيث يشكل هذا التطور ومازال عنصر المفاجأة المدوى لتل أبيب وحكومة نيتانياهو، والتى ربما يصيبها الجزع الأكبر، عندما يحدث التفاهم والتلاقى العربى - الإيرانى الأكبر، وفى المقابل أيضا قطار المصالحات التركية مع مصر، والتى ربما تشهد فصلا إيجابيا فى الآجال القادمة بعد الانتهاء من جولة الانتخابات التركية الثانية الأحد القادم، حيث يتوقع تطورات متلاحقة أيا كان الفائز فى أنقرة، حيث بات لدى أى من المرشحين قناعة أن القطيعة وتعطيل التلاقى مع مصر كان خطيئة كبري، وبالتالى لابد من تعويض مثل هذا التعطيل، بعلاقات جديدة حيوية متشعبة ومعمقة مع القاهرة، وهذا ما هو متوقع خلال أسابيع، وهذا ما سبق أن فعلته تركيا أردوغان مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية العام الماضي. وكان التطور الأخير والإيجابى على الصعيد العربى، بانعقاد القمة العربية الثانية والثلاثين بجدة فى الأيام الماضية، حيث كانت من أفضل القمم العربية على الأقل فى السنوات العشر الأخيرة، بعد مأساة مايعرف بالربيع العربى (الخريف المدمر) حيث كانت كل الأجواء قبل وأثناء وبعد القمة إيجابية للغاية، حيث قطار المصالحات العربية وصل محطته الأخيرة بعودة سوريا إلى الحاضنة والبيت العربي، وبات لافتا ان العرب منذ هذه القمة قرروا تغيير قواعد الاشتباك مع كل المنغصات والمناكفات التى تعطل استقرار دولهم وأمنهم القومي، وتغيير المعادلات للبحث عن الضرورات الأفضل لدولهم، وتجاوز سنوات التشظي، وسرعة إطفاء النيران فى كل دهليز عربي، وتجاوز كل الخلافات، ولأول مرة منذ عهود طويلة بإستراتيجية وأيدٍ عربية ذاتية خالصة، دون الركون والاعتماد على الغرب وأصحاب الأجندات المدمرة للمصالح والأوطان العربية، ولعل قرار عودة سوريا للجامعة العربية خير مثال، وتحد للغرب عموما وقانون قيصر الأمريكي، ناهيك عن البحث والبدء دون إبطاء فى بناء تكتلات سياسية واقتصادية ملحة وعاجلة، فيما بينهم فى المقام الأول ومن ثم مع دول الإقليم مرحليا، تركيا وإيران بالطبع، ولا مانع من مد السطر على استقامته ليشمل قوى كبرى صاعدة فى العالم، الصين والهند، وتجمعات البريكس ومنظمة شنغهاى للتعاون وغيرهما.
وبالتالى كل هذه المعطيات الجديدة ستؤدى فى لحظة ما وفى الآجال القريبة، الى خلق وتكوين نظام إقليمى جديد، يضم كل دول الإقليم بتفاعلاتها الجديدة دون إسرائيل بالطبع، حيث سيتم استبعاد تل أبيب تدريجيا من اى ترتيبات يعد ويخطط لها مستقبلا بالإقليم، حيث ان اى مشروع إقليمى للتعاون وللأمن والدفاع المشترك، يمكن ان تصيغه مصر والسعودية ودول عربية فعالة فى الإقليم بمشاركة تركيا وإيران يوما ما، قد يجدون مصلحتهم وأمنهم فيه، هو النموذج الطبيعى لأى تطور لاحق فى الإقليم، لبناء الأمن المتكافئ والسلام والاستقرار، وتتحمل دوله تنفيذه وليس مشروعا للحرب والعدوان او تهديد شئون دول الإقليم كما تفعل إسرائيل، حيث سنكون أمام شرق أوسط جديد لا مكان فيه للمغتصبين والطامعين والمتآمرين، وبالتالى سيكون عزل تل أبيب فى الإقليم مهما وفرت لها واشنطن والغرب من غطاء سياسى واقتصادي، وهو الخيار المتبع تلقائيا، وليكن الشرط القاسى فى وجهها للانضمام لمعادلة النظام الإقليمى الجديد هو حل القضية الفلسطينية، وبدونها ستتضاعف عزلة إسرائيل، ويحمل لها القادم هنا الأسوأ والحشر فى الزاوية والعزلة التامة، ومن يعش ير .
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: