قبل أكثر من ثلاثة أسابيع كان يراود غالبية العواصم العربية حلم الاحتفاء بعودة سوريا للجامعة العربية وشغل مقعدها الشاغر، منذ أكثر من ١٢ عاما، وحضور الرئيس السورى بشار الأسد للقمة العربية المرتقبة بالرياض الجمعة بعد المقبل، ولايخفى على أحد أنه من أجل هذا الهدف جرت مياه كثيرة وتحركات ماراثونية، عبر اتصالات معلنة، واجتماعات مغلقة، حيث تمخضت قناعة تلامس اليقين أمام دول الإقليم، وأنه بعد الاتصال الهاتفى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره السورى بعد ساعات من كارثة زلزال فبراير الماضى، وتقديم العون المصرى الذى فتح الأبواب وغير القناعات بسرعة إغاثة سوريا، بعد كل هذا تولدت القناعة عربيا وإقليميا بأن سوريا عائدة لامحالة للبيت العربى، وان المسألة لم تعد سوى اختيار التوقيت المناسب وبدأت محركات التشغيل المصرى والعربى تتوالى فصولا، لرسم ملامح ومحطات هذه العودة، حتى عقد اجتماعى جدة وعمان الأخيرين، اللذين أهلا تلك العودة عبر بوابة الاجتماع غير العادى أمس الأول بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، لتمرير جواز عودة دمشق لبيتها العربي. وإحقاقا للحق فإن الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبوالغيط، كان أول من أبلغنى منذ أسابيع عبر نقاش مطول بيننا بفتح الأجواء لتلك العودة، وقد سجلت هذه النبوءة فى مقال سابق على صفحات الأهرام آنذاك، وسجلت على لسانه وقتها، أنه لم يكن من أنصار عزل سوريا فى نوفمبر ٢٠١١ عن مقعدها بالجامعة، واعتبرها خطيئة، وأن هذا الموقف، أدى إلى تدويل الأزمة السورية، ومن بعدها دخلت هذا النفق الطويل وتلك التعقيدات الجهنمية، وفتحت شهوة وشراسة الملاكمين فى تلك الكارثة حتى اليوم. ولكن للأسف يبدو أن كل هذا الاحتفاء بعودة سوريا الذى كان يخطط له فى قمة الرياض المرتقبة، بحرفية عربية بعيدا عن التجاذبات الأمريكية - الروسية، قد اصطدم بالكارثة الجديدة وهى لعنة الأزمة السودانية، التى اشتعلت جذوة نيرانها فى الأسابيع الماضية لتدخل على خط الانتكاسات العربية، التى ضربت دول الإقليم منذ فتنة الخريف العربى عام ٢٠١١، ولتحتل سباق الكوارث العربية من جديد ومركز الصدارة فى ماراثونات التخريب والتدمير العبثية، وعداد كارثية انهيارات الدولة الوطنية فى عالمنا العربى، امتثالا لقاعدة أن العرب سرعان ما يخرجون من انتكاسة ليقعوا فى كارثة جديدة، خاصة أن سير العمليات العسكرية حاليا فى السودان بين طرفى الأزمة يجعل السودان أرضا محروقة، وإن كانت المعادلة العسكرية وإن طالت ستقف فى نهاية الأمر فى صف قوات وقيادة الجيش السودانى والفريق البرهان، باعتبار الجيش والرجل يمثلان الشرعية السودانية، وعمق العمود الفقرى لإنقاذ وحماية السودان واستعادة الأمن والاستقرار فى نهاية المطاف، أيا كانت الأثمان التى تدفع والفواتير التى تسدد لبلوغ هذا الهدف العصى حتى الآن، لأنه بحكم وقائع الجغرافيا وحقائق التاريخ لابد أن تنتصر الدولة ومؤسساتها الشرعية.فى المقابل هل يمكن إنقاذ الأوضاع الكارثية حاليا فى الخرطوم قبل القمة العربية حتى لا تلقى بظلال سلبية، ونتائج متواضعة على قمة الرياض العربية..؟ وتجعل العرب يجترون الأحزان من جديد جراء تلك الكارثة السودانية الجديدة، بحقائق الصراع والمعارك على الارض حاليا الأزمة عصية على الحل فى المدى القريب، وربما تذهب فى اتجاه سنوات الاستعصاء العسكرى والسياسى، والولوج إلى معارك الدمار الطويلة على غرار الأزمتين السورية والليبية، أعلم تماما أن مفاوضات غير مباشرة قد بدأت فى جدة بالمملكة العربية السعودية فى الأيام الثلاثة الماضية برعاية سعودية - أمريكية، وهذا جهد سعودى مقدر ومشكور ويتوازى مع الجهود المصرية السابقة والحالية، منذ اندلاع الأزمة فى ساعتها الأولى حتى اللحظة، وربما يتم التوصل لصيغة تفاهم بشأن إيقاف إطلاق النار بشكل مؤقت، ولكن ماذا عن فتح الممرات الإنسانية الآمنة بشكل مستدام ودائم وحل نهائى لايقبل التأجيل من أجل إنقاذ ٤٦ مليون سودانى، قبل أن يتحول نصفهم إلى نازحين فى الداخل، والنصف الثانى إلى لاجئين فى الخارج ومخيمات الشتات، فى اعتقادى أن هذا الهدف يتحقق بمصالحة وخريطة طريق،عبر مسار سياسى تفاوضى يضم ويحتوى كل الفرقاء والمكونات العسكرية والمدنية السودانية ولن يتحقق إلا عبر القمة العربية فى الرياض، وبغطاء وحاضنة عربية، وعبر الدولتين الأكبر مصر والسعودية (جناحى الأمن والاستقرار فى الإقليم) حيث إن دور البلدين مكملان وليسا متنافسين، كما يروج بعض أصحاب النيات غير الطيبة على الإطلاق للإقليم العربى، وأنصار الأجندات المريبة لاستمرار ديمومة العنف والانهيارات المستمرة والمتوالية لأوطان العرب، ومن هنا لا يزال الرهان العربى على قمة الرياض كبيرا ومشروعا خاصة فى ضوء ما تفعله وتقدم عليه السعودية حاليا لإنجاح هذه القمة بكل السبل، وهذا ربما يتأتى لإنقاذ السودان بتعاون وتنسيق مصرى - سعودى فى أثناء وبعد قمة الرياض كما حدث منذ الساعات الأولى لاندلاع الحريق السودانى، خاصة أن الفرص ترتفع أمام البلدين للعب أدوار أكبر فى الإقليم المشتعل بالنيران، والأزمات، وهذا ما يمكن أن تؤسس له قمة الرياض العربية بعد أيام.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: