لاشك أن المحاولات الروسية - الصينية حاليا لإيجاد عالم جديد متعدد الأقطاب ،ربما تجد قبولا وهوى حاليا وبشغف لدى العديد من أقاليم المعمورة فى هذا العالم ،وخاصة إقليم الشرق الأوسط وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية ،ناهيك عن رغبة وحميمية مطلقة لدى دول القارة الإفريقية مجتمعة لولادة هذا العالم الجديد اليوم قبل الغد ،خاصة بعد الشعور بالغبن والضيم الذى لحق بعالم هذه الأقاليم منذ مابعد الحرب العالمية الثانية ،وبزوغ الغرب بكتل وتكتل دوله وأقاليمه المتعددة (الولايات المتحدة - الناتو بأعضائه ٣١ دولة الآن - الاتحاد الأوروبي) لتسيد العالم بقبضة وقيادة أمريكية منفردة مع توفير الغطاء وضمان الحماية والحاضنة للدول الأوروبية والناتو عند اللزوم، الامر الذى ترك ومازال غصة ومرارة فى نفوس وقلوب وعقول بقية دول وشعوب أقطار العالم الآخرى ،وبالطبع كل ذلك مرده الى سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة ،والانحياز الاعمى فى بعض السياسات والأزمات والمنعطفات الدولية التى تشب على مخيطة الأحداث الدولية الملحة والضاغطة ،الامر الذى أوجد حالة من انعدام المصداقية والموثوقية فى سياسات هذا الغرب, ولتقريب الصورة نذكر بموقفين بارزين للتعاطى الغربى حاليا مع أزمات ملحة جديدة - قديمة.
القضية الأولى طريقة التعاطى الغربى فى اندلاع الحرب الروسية - الاوكرانية ، حيث إن الجزء الأكبر فى وقوع وحدوث هذه الحرب هو المواقف والمآرب الغربية الحثيثة المشجعة على وصول الطرفين الروسى والاكروانى الى هذه اللحظة المستمرة لحرب ممتدة لأكثر من أربعة عشر شهرا حتى الآن ،حيث إن الوصول الى تلك الحرب لم يكن وليد أسابيع سابقة على انطلاق تلك الحرب فى الرابع والعشرين من فبراير من العام الماضى فقط ، بل إن الامر استغرق سنوات طويلة ربما منذ عهد الرئيس كلينتون فى البيت الأبيض مرورا بكل الروساء الآخرين وصولا الى بايدن حاليا ، لدفع الطرفين الى منزلقات وحفر ومطبات عميقة فى تلك الحرب واستنزاف الروس وبوتين الى تلك الوحول الاوكرانية, وربما كان الغرب يستطيع بخطاب واحد عبر ورقتين اثنتين فقط أن يقدم الى روسيا منذ عام ٢٠١٩ وحتى قبل نشوب تلك الحرب بساعات، هذا الخطاب يتضمن سلة ضمانات غربية أمريكا والناتو تحديدا للجانب الروسى بعدم نشر اى قوات او أسلحة ثقيلة وتكتيكية ونووية فى شرق أوروبا قبالة الحدود الروسية ،وكذلك التعهد والضمانة بعدم قبول او ضم أوكرانيا للناتو ،حيث كان هذان المطلبان ضروريين وأساسيين ،والبقية من المطالَب والضمانات تفاصيل.
ولكن هيهات القبول والتعاطى الغربي، حيث ان الخطة الغربية الخبيثة والتخطيط الامريكى المسكون بروح المؤامرة ضد روسيا، تعاملا بخفة مع مجمل إن لم يكن كل تلك المطالَب الروسية .
وقررا دفع الطرفين الى حافة الهاوية لتلك الحرب الضروس ، وبعدها تتولى الآلة العسكرية الغربية ( الامريكية - الناتو) تغذية القوات الاوكرانية بالأسلحة والعتاد ،للصمود اكبر وقت ممكن لاضعاف وإجهاد وكسر قوة وإرادة الروس فى البقاء اقوياء ، كقوة سياسية وعسكرية ثانية فى العالم قبل الصين فى الوقت الحالى ،على ان يتأتى دور الاخيرة بعد القضاء مبرما على الروس وهزيمتهم شر الهزيمة فى حرب أوكرانيا ،لتكون بداية النهاية لهم وللأبد عقودا طويلة ،ومن ثم وجدنا كل هذه الأموال والأسلحة الحديثة والذخائر المتقدمة وأسلحة النووى التكتيكية المستنفد من بريطانيا ،ولكن كل ذلك لأجل إنهاء أسطورة الروس ودفن طموحات بوتين بعودة روسيا الدولة الفتية القوية بعد مؤامرة انهيار الاتحاد السوفيتى بداية التسعينيات ،ثم كانت المفاجأة التى عقدت ألسنة العديد من دول العالم تلك السرعة الطاغية فى الحراك الغربى لضم فنلندا والسويد الى حلف الناتو بتلك السرعة ،فى غضون أسابيع معدودة نجحوا فى ضم فنلندا وتجاوز عقبة الاعتراض والفيتو التركى والسويد فى الطريق خلال أسابيع معدودة ،وليقرأ البعض حالة الحبور والبهجة التى علت وجه الأمين العام للناتو فرحا وطربا ،وتحدث عن هذا الانضمام العاجل الذى يعتبر اكبر انضمام لعضوية الحلف فى التاريخ ، وبالطبع الغرض الخفى إيجاد موطئ قدم للناتو على حدود روسيا من خلال الحدود الفنلندية والسويدية، وزرع خنجر مسموم فى ظهر الروس دوما لتطويق بلادهم.
اما القضية الثانية التى تفضح وتوجد حالة الانكشاف الغربى تلك فهى تعاطيه مع تفاصيل مشهد الأحداث الحالية فى الاراضى الفلسطينية المحتلة ،حيث توفير الغطاء والحاضنة بالباطل دوما لمصلحة اسرائيل وحكومة الفاشيين الدينيين الجدد مع نيتانياهو حاليا ،تبدأ بتعطيل اى محاولات فلسطينية - عربية حتى لو كانت مشفوعة بغطاء من الصين عند اللجوء الى مجلس الأمن لإدانة ولجم الممارسات العنصرية ودوامة القتل الممنهج بدم بارد للفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلى ،وحتى الاقتحامات والمنع القسرى للمصلين فى المسجد الاقصى فى شهر رمضان الفضيل، كل هذا ممنوع ادانته ،او الاقتراب من تل أبيب بحماية أمريكية - أوروبية بغيضة ومستفزة ، وعندما تقع عملية فدائية او إرسال عدة قذائف فلسطينية باتجاه مستوطنات الاحتلال ، يسارع الغرب بقضه وقضيضه للإدانة والتشبيح السياسى تجاه الفلسطينيين والعرب، وكل ذلك تحت عنوان واحد حماية أمن اسرائيل، والمثير فى الامر ان هذا الغرب الذى فرض اكثر من عشرة آلاف عقوبة على روسيا فى اقل من عام يرفض مجرد توجيه اللوم او تحجيم او الضغط على اسرائيل من اجل انقاذ حياة اكثر من ٦ ملايين فلسطينى فى وطنهم السليب. إنه فعلا الغرب صاحب المواقف المتناقضة والانحيازات السافرة ونصير القيم المعوجة، التى تحمل بصمات الغرب الكريهة، إنه الغرب وما أدراك ما الغرب!.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: