رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كيف يرى المصريون مستقبل الأوضاع فى مصر؟

رغم أن السؤال الذى يفرض نفسه على الجميع فى ظل وجود أزمات أو على الأقل تحديات تواجه مجتمعا ما، هو كيف يرى المواطنون أوضاعهم وتحديدا أوضاعهم الاقتصادية، فإن التساؤل عن رؤيتهم لمستقبل تلك الأوضاع وإلى أين تسير الأمور وكيف تدار أو كيف يتم التعامل مع الأزمة يبدو تساؤلا جوهريا ولا غنى عن طرحه. فالأزمة تفرز الكثير من التداعيات السلبية، ومن بين القضايا التى تتأثر سلبا بتداعيات تلك الأزمات هى توجهات الرأى العام شديد الانفعال والحساسية بالتطورات اليومية التى تحدث فى خضم تلك الأزمة، وهنا يكون التساؤل عن المستقبل مؤشرا حاسما فى قدرة هذا المجتمع ونظامه الحاكم على تجاوز تلك الأزمات بأقل تكلفة ممكنة وتأمين تماسك واستقرار الدولة.  

من هنا تبدو أهمية متابعة وتحليل نتائج الاستطلاع الدورى الذى يصدره مركز الاستطلاعات التابع لمركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء على الأقل منذ عام 2011، المتعلق برؤية المصريين لمدى سير الأمور فى الاتجاه الصحيح. وهو استطلاع أجراه المركز فى أوقات عديدة منها ما يشهد أزمات ومنها بطبيعة الحال ما أجرى فى ظل عدم وجود أزمة ضاغطة، الأمر الذى يتيح الفرصة لبلورة صورة معتبرة لتوجهات المصريين إزاء سير الأمور وثقتهم فى النظام السياسي. فى هذا السياق ومن خلال مراجعة النسب التى نشرها المركز، يمكن الخروج بالملاحظات التالية:


أولا: إن الأزمة الاقتصادية العالمية التى ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية فى مصر قد انعكست بوضوح على توجهات المصريين بشأن سير الأمور فى الاتجاه الصحيح. فقبيل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مباشرة كانت نسبة المصريين الذين يرون أن الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح قد وصلت إلى 49% فى نهاية يناير 2022 ثم 47% فى نهاية فبراير 2022، قبل أن تتراجع مباشرة إلى 30% فى نهاية مارس من العام نفسه، ثم تواصل التراجع حتى وصلت إلى 33% بنهاية شهر فبراير 2023، مقتربا من النسبة الأدنى التى وصل إليها مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية.




ثانيا: إن النسبة التى تم تسجيلها فى فبراير 2023 (33%) تكاد تماثل المتوسط العام لتوجهات المصريين إزاء أن الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح عبر العقدين الأخيرين أى منذ عام 2011، وكذلك الحال مع فارق بسيط إذا ما قورنت بالمتوسط العام لنفس توجهات المصريين خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى (39%). الأمر الذى يشير بوضوح إلى أن ثمة «كتلة صلبة» حقيقية تؤمن بقدرة الدولة المصرية على قيادة الأمور فى الاتجاه الصحيح رغم كل ما تفرزه الأزمة. 


ثالثا: واتصالا بالملاحظة السابقة، فإنه من الضرورى قراءة نسبة فبراير 2023 والمتوسط العام لتوجهات المصريين خلال فترة الرئيس السيسى فى ضوء نفس النسب فى الفترة السابقة لحكمه، خاصة عام الإخوان المسلمين. إذ كان المتوسط العام لتوجهات المصريين إزاء سير الأمور فى الاتجاه الصحيح هو 18%، وبينما بدأت المرحلة بـ54% فى بداية يوليو 2012 تهاوت بسرعة بعد شهرين لتسجل 25% فى بداية سبتمبر، ثم توالى التهاوى لتسجل أدنى مستويات خلال العقدين الأخيرين بوصولها إلى 3% فقط، قبل أن يعاود المؤشر الصعود مع بدايات ثورة 30 يونيو مسجلا 40% فى بداية يوليو 2013.  



 


رابعا: إن التذبذب الواضح فى توجهات المصريين بشأن سير الأمور فى الاتجاه الصحيح يشير بوضوح إلى حقيقة التفاعل السريع للرأى العام المصرى مع القرارات التى تتخذها الحكومة للتعامل مع الأزمة. فكلما اتخذت الحكومة قرارا يشعر معه الرأى العام بأنه قرار لضبط السوق وأسعار العملة، أو مبادرات من شأنها التخفيف على المواطنين، تحسنت رؤية المصريين لسير الأمور وانحيازهم إلى أنها تسير فى الاتجاه الصحيح. حدث ذلك الارتفاع فى نسب توجهات الرأى العام على خلفية القرارات الاقتصادية المتعلقة بالتعويم وكذلك بحزم الضمان الاجتماعى وزيادة الأجور التى اتخذتها الدولة.  


خامسا: تتأكد التوجهات الإيجابية السابق الإشارة إليها بالنظر إلى نتائج استطلاع آخر يجريه المركز أيضا بشكل دورى يتعلق بنسب المصريين الذين يتوقعون تحسن أحوالهم فى العام المقبل. فحتى قبيل الأزمة الروسية الأوكرانية وصلت نسبة من يتوقعون تحسن أحوالهم فى المستقبل إلى 58% فى نهاية يناير 2022، ثم بدأت النسبة فى الانخفاض على خلفية تداعيات تلك الأزمة لتصل إلى 48% بنهاية مايو 2022، ثم تعاود الارتفاع لتصل إلى 56% ثم 54% بنهاية شهرى أغسطس وسبتمبر على التوالي، ثم تصل مجددا إلى 56% بنهاية نوفمبر من العام نفسه ثم تتراجع لتستقر عند 44% بنهاية يناير وفبراير 2023. وهنا يجب أيضا الإشارة إلى ملاحظتين:


     الأولى: إن الارتفاع والانخفاض فى نسب من يتوقعون تحسن أحوالهم خلال العام المقبل يتوافق تماما مع نسب من يرون أن الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح. وهو الأمر الذى يشير إلى اتساق وثبات واضح فى توجهات الرأى العام المصري.  


    الثانية: إن أعلى رقم سجلته نسبة من يتوقعون تحسن أحوالهم فى العام المقبل هى 69% وتم تسجيلها فى سبتمبر 2014، أى بعد ثلاثة أشهر من تولى الرئيس عبد الفتاح رئاسة الجمهورية، بينما كانت أقل نسبة هى 23% وتم تسجليها فى أبريل 2013 أى قبل ثورة 30 يونيو بشهرين فقط، بما يعد مؤشرا قويا إضافيا إلى أن تلك الثورة كانت حتمية.  




باختصار، فإنه رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة بالأساس عن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التى ألقت بظلالها على الاقتصاد الدولي، فإن ثلث المصريين يرون أن الأمور تسير فى مصر فى الاتجاه الصحيح، وما يقرب من نصف المصريين يعبرون عن ثقتهم بأن أحوالهم ستتحسن فى العام المقبل، وكل هذه التوجهات تدور ارتفاعا وانخفاضا فى فلك الإجراءات والسياسات التى تتخذها الدولة للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية.

 


لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة

رابط دائم: