مع تفشى ظاهرة ارتفاع أسعار السلع الأساسية فى العالم كله، تتعدد الاجتهادات، وما قد ينجح فى دولة ما ليس بالضرورة أن ينجح فى كل الدول، فقد تمكنت المجتمعات المتقدمة، من خلال أزمات مشابهة مرت بها سابقاً، من أن تطوِّر سياسة المقاطعة الشعبية لسلعة ما، عندما تتبين مبالغة التسعير لجمعيات حماية المستهلك لديهم، والتى تضم خبراء فى تحديد السعر العادل، وكانت المقاطعة تنجح فى الضغط على التجار، خاصة فى السلع التى لا تحتمل التخزين لمدد طويلة، فيُضطَر التجار، بعد فترة مقاطعة قصيرة، إلى تخفيض الأسعار حتى لا تبور سلعتهم، وحتى تدور تجارتهم. ولا يزال هذا الإجراء حلما يراود كثيراً من المجتمعات النامية، لكى يحصلوا على العدالة فى تحديد الأسعار بطريقة متحضرة تلتزم بالأساليب السلمية! ولكن، وللأسف، أبدى بعض الخبراء المصريين أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يكون مجديا عمليا لدينا، فقد قالت سعاد الديب، ممثلة الاتحاد النوعى لحماية المستهلك، فى ندوة هذا الأسبوع، إن تجربة أسلوب مقاطعة المستهلكين لم يثمر فى مصر، فقد نظم الاتحاد حملات منذ شهرين لمقاطعة شراء اللحوم والدواجن، وكان هناك تجاوب كبير من المستهلكين للمقاطعة، وقد تحقق بالفعل تراجع فى الطلب، إلا أن الأسعار لم تنخفض. وأرجعت الأمر إلى أن معظم السلع التى تُستورَد من الخارج تخضع لمجموعة من المحتكرين، مما يجعل من الصعب تطبيق قواعد السوق الحرة عليهم، وهو ما يترتب عليه أن المستهلك هو الذى يتحمل ارتفاع الأسعار فى نهاية الأمر، وليس المُنتِج أو التاجر.
يُضاف إلى هذا بُعد آخر جدير بالملاحظة، وهو أن الأزمة الأخيرة زادت على الأخص فى عدد من السلع التى نجحت الدولة فى توفير اكتفاء ذاتى منها، مثل الأرز والدواجن، مما دفع الدولة دفعا إلى التدخل السريع لاستيراد المطلوب من الخارج، ووفرت لها الدولارات المطلوبة فى عز أزمة العملة الصعبة، وكان من النتائج المباشرة لهذا أن تتعرقل خطة الدولة الموضوعة والتى كانت حققت بالفعل مؤخراً نتائج ملموسة فى زيادة التصدير وتقليل الاستيراد، من أجل إحداث توازن فى الميزان التجارى، وهذا ما يُرَجِّح أن لارتفاع الأسعار فى مصر أبعادا تخريبية تتجاوز جشع التجار المعروف!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: