أمام العالم العربى فرصة تاريخية لكى يخرج من دوائر الحصار ربما انطلق من قيود كثيرة تحول دون أن يلحق بالعصر أو يأخذ المكانة التى يستحقها فى موكب الأحداث.. إن الفرص المتاحة أمام العالم العربى ترجع لأكثر من سبب
> أولا: إن خريطة العالم تتغير وأن الواقع الحالى لن يستمر، هناك تحولات خطيرة على مستوى العالم وخرائط جديدة وأدوار تختفى وقوى جديدة تأخذ أماكنها قوة ونفوذا, وعلى العالم العربى أن ينتهز الفرصة فقد لا تعود مرة أخرى، سوف يشهد توازنات جديدة وربما خرجت منه مراكز قوى جديدة واختفت أخري
> ثانيا: إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا أى بين روسيا والغرب لم تصل إلى نهايتها بعد وحتى الآن لا يوجد منتصر أو مهزوم وربما كانت لها فصول أخرى إذا امتدت وأصبحت لها توابع قد تصل إلى حرب عالمية ثالثة كما يتوقع البعض خاصة أن جميع القوى المتصارعة لم تكشف عن قدراتها العسكرية خاصة مجالات التكنولوجيا المتقدمة وهى حتى الآن سر من أسرارها ..
> ثالثاً: إن روسيا لن تعود إلى حدودها مرة أخرى دون أن تحصل على نصيبها من القوة والنفوذ ودور الدرجة الثانية.. إن الغرب يراهن على امتداد المعارك واستنزاف ما لدى روسيا من قدرات وروسيا تراهن على عجز أوكرانيا عن أن تتحمل الهجوم الروسى ولا أحد يعلم إلى أين تصل هذه المراهنات ..
> رابعاً: حتى الآن لا يبدو أن الصين تريد أن تتورط فى أى حرب تبدو بعيدة عن حساباتها وتفضل أن تبقى بعيدة لكى ترى آخر جولات المواجهة بين روسيا والغرب ربما تخلصت منهما معا وتصدرت المشهد العالمي..
> خامساً: إن استمرار الحرب رغم كل الأعباء التى فرضتها على العالم كله فى نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وازدياد نسب الفقر ومعاناة الدول النامية وما لحق باقتصاديات العالم من خسائر وأضرار إلا أن القادم قد يكون أسوأ إذا امتدت الحرب خارج حدود روسيا وأوكرانيا أو استخدمت فيها أسلحة الدمار الشامل..
ـــــ إن المؤكد أننا أمام عالم مختلف فى كل حساباته القديمة الغريب فى الأمر أن العالم العربى بشعوبه وحكامه لا يمكن أن يكون بعيدا عن هذه الخريطة التى تتغير كل يوم.. إن الشعوب العربية هى أكبر القوى التى يمكن أن تحافظ على قدراتها نحن أمام شعوب تجاوز تعدادها ٤٠٠ مليون من البشر يعيشون فى محيط جغرافى واحد ويتحدثون لغة واحدة ولهم ثقافة واحدة ودين سماوى واحد.. ورغم التفاوت الرهيب فى مستوى الثراء والإمكانات فإن هذه الكتلة البشرية الضخمة مؤهلة لأن تكون طرفا أصيلا فى توازنات القوي.. خاصة إنها تملك أهم موارد العصر حتى الآن ممثلة فى البترول ولديها من الأموال الموزعة فى بنوك العالم ما يكفى لإقامة أمة عصرية بكل المقاييس.. وهذا يتطلب أن تستخدم إمكاناتها وما لديها من قدرات كى تعيد التوازن إلى خريطة العالم الذى تتحكم فى قلبه..
ـــــ والسؤال هنا إذا كانت الشعوب العربية تملك كل هذه القدرات الاقتصادية والبشرية والجغرافية فأين هى من توزيع الغنائم وإعادة ترتيب الأوراق.. أين هى من القوى الصاعدة وكيف لا تكون من القوى الغاربة وكيف تتخلص من واقعها لكى تحتل المكانة التى تستحقها بجانب شعوب تحتكر المستقبل.. لا أحد يعرف عدد الفقراء بين ٤٠٠ مليون من البشر منهم الملايين الذين يسكنون فى العراء بلا تعليم أو صحة أو أمان.. إن مشكلة الفقر فى العالم العربى واحدة من اخطر الأزمات التى خلفت أمراضا اجتماعية وثقافية وإنسانية وهذه الأزمات تحتاج إلى وقفات إنسانية..
ــــــ إن كارثة الإرهاب كانت حصادا واقعا متخلفا من بقايا الجهل وغياب الوعى والتخلف وكان الحصاد المر ما تواجهه هذه الشعوب من كوارث الحرب الأهلية والملايين الذين هربوا من الموت إلى بلاد العالم أو عاشوا فى الخيام أو ابتلعتهم البحار.. إن غياب العدالة أسوأ ما واجهت الشعوب العربية رغم أنها تملك أضخم ثروات عرفها التاريخ ومع غياب الحريات تحولت الأوطان إلى أوكار للجوع والفقر .. إذا كانت الشعوب العربية تحلم بأن تكون لها مكانة فى مستقبل البشرية فلن يكون ذلك إلا بالقضاء على الفقر والجهل والتخلف لأن المستقبل لا مكان فيه لأصحاب الأمراض المزمنة.. إن الشعوب العربية فى حاجة أن توحد كلمتها ولا تترك مصيرها فى أيدى دول أخري..
ــــــ لقد انتهت عصور الاحتلال ولكن بقيت أشباح التبعية والوصاية من داخل البلاد وخارجها ولا يعقل أن نكون ضحايا قوى خارجية وندفع ثمن مغامراتها وخطاياها، قلت فى البداية نحن أمام خرائط جديدة وحسابات جديدة.. وإذا كان صراع الكبار يجرى الآن فى حرب محدودة قد يتسع مداها وتنتقل نيرانها إلى مناطق أخرى وينبغى ألا ننسى جار السوء الذى يتسلل إلى أبعد نقطة فى الأرض العربية..
ـــــ من يتصور أن تكون إسرائيل خارج حسابات القوى وأنها تراهن فى سوق الغنائم على الدول العربية وقد نجحت فى تحقيق الكثير من أهدافها التى قد تصل بها يوما إلى عضوية جامعة الدول العربية.. لن تسقط من الحسابات أيضا تطلعات دول مثل إيران وغيرها لزعامة العالم الإسلامى سنة أو شيعة لأن العالم العربى هو المدى الذى تسعى إليه هذه الدول وهى تنافس الكبار خاصة أن هذه القوى الإقليمية قد وصلت إلى درجات من التقدم فى كل المجالات يمكن أن تؤهلها لمشاركة اكبر فى لعبة التوازنات ورسم خريطة جديدة..
ـــــ الخلاصة: أن أمام الشعوب العربية فرصة لأن تنتقل من مرحلة الهيمنة والوصاية إلى مرحلة تحرير الإرادة وأن تستخدم قدراتها لكى تكون صاحبة صوت فيما يجرى حولنا ولكى يتحقق ذلك لا بد أن نبدأ من البيت ونواجه الإرهاب بالفكر، والفقر بالعمل ونحارب التخلف بالوعى وألا نترك مصيرنا فى أيدى من لا يرحم ربما لم تأت للشعوب العربية فرص مثل ما هو متاح الآن ولكن عليها أن تبدأ الإصلاح من داخلها فى إنسان أكثر حرية وأكثر وعيا وأكثر عدلا ساعتها سوف تتفتح أمامنا كل الأبواب ونجد أنفسنا فى مكانة نستحقها وعالم يقدرنا ومستقبل ينتظرنا..
ـــــ إن العالم حولنا يتغير وهناك عالم جديد يتشكل ولا أحد يعلم مصير القوى الحالية وما هى نهاية المواجهة خاصة أنها جميعا تعانى ظروفا صعبة لا أحد يعلم ما هو مصير أمريكا رئيسة مجلس إدارة العالم وإلى أى مدى سوف تنجح فى مواجهة أزماتها ابتداء بغضب الطبيعة وانتهاء بغضب الشعب ولا أحد يعلم مستقبل أوروبا التى تفككت أمام ظروف اقتصادية صعبة وشعوب انهارت أمام واقع اجتماعى بغيض خاصة أن جميع الأطراف تبحث عن مصدر للأمن والحماية وقد عادت دول مثل المانيا واليابان تفكر فى إنشاء جيوش جديدة وما يمثله ذلك من أعباء تأتى فى غير أوانها..
ـــــ إن السؤال الآن هل تبقى أوروبا الموحدة، وما هو مستقبل حلف شمال الأطلسى والاتحاد الأوروبى أمام محاولات تمرد والبحث عن أدوار لدول مثل فرنسا وقبل ذلك كله من أين توفر أوروبا لشعوبها الطعام والغاز إذا امتدت سنوات الحرب واستحالت فرص السلام.. ألغام كثيرة تهدد مستقبل العالم المتقدم والمتخلف معا فأين الشعوب العربية فى هذا الصراع وما هى الضمانات ألا تضيع منها الفرصة كما ضاعت من قبل فرص أخرى..
..ويبقى الشعر
عودُوا إلى مصْر ماءُ النـِّيل يكفينـَا
منذ ارتحلتمْ وحزنُ النهْر يُدْمينــــا
أيْن النخيلُ التى كانتْ تظللـَنــــــــا
ويرْتمى غصْنـُها شوقـًا ويسقينـَا ؟
أين الطيورٌ التى كانتْ تعانقـُنــــــا
وينتشى صوْتـُها عشقـَا وَيشجينا؟
أين الرُّبوعُ التى ضمَّتْ مواجعَنـَـا
وأرقتْ عيْنها سُهْدًا لتحْمينـــَــــا ؟
أين المياهُ التى كانتْ تسامرُنــــَــا
كالخمْر تسْرى فتـُشْجينا أغانينـَا ؟
أينَ المواويلُ؟..كم كانتْ تشاطرُنـَا
حُزنَ الليالـى وفى دفْءٍ تواسينـَـــا
أين الزمـــــــانُ الذى عشْناه أغنية
فعانــقَ الدهـْــرُ فى ودٍّ أمانينـــَـــــا
هلْ هانتِ الأرضُ أم هانتْ عزائمنـَا
أم أصبـحَ الحلمُ أكفانـًا تغطـِّينــــــــَا
جئنا لليلـــــــى.. وقلنا إنَّ فى يدهَا
سرَّ الحيَاة فدسَّتْ سمَّهــــــــا فينـــَا
فى حضْن ليلى رأينا المْوت يسكنـُنـَا
ما أتعسَ العُمْرَ..كيف الموتُ يُحْيينا
كلُّ الجراح التى أدمتْ جوانحَنـــــَــا
وَمزقتْ شمْـلنـــا كانتْ بأيدينــــــــــَـا
عودوا إلى مصْر فالطوفانُ يتبعكـُــمْ
وَصرخة ُ الغدْر نارٌ فى مآقينـــــــَــا
منذ اتجهْنا إلى الدُّولار نعبــــُــــــدُهُ
ضاقتْ بنا الأرضُ واســودتْ ليالينــَا
لن ينبتَ النفط ُ أشجارًا تظللنـــــــَـا
ولن تصيرَ حقولُ القار..ياسْمينــَا
عودوا إلى مصْرَ فالدولارُ ضيَّعنــَا
إن شاء يُضحكـُنا..إن شــاءَ يبكينـَـا
فى رحلةِ العمْر بعضُ النـَّار يحْرقنا
وبعضُهَا فى ظلام العُمْر يهْدينـــــــَا
يومًا بنيتمْ من الأمجَـــــــاد مُعجزة ً
فكيفَ صارَ الزَّمانُ الخصْبُ..عنينا؟
فى موْكبِ المجْد ماضينا يطاردنـــَا
مهْما نجافيهِ يأبى أن يجَافينــــــــــَـا
ركبُ الليالى مَضَى منـــــــا بلا عَدَدِ
لم يبق منه سوى وهم يمنينـــــــــَا
عارٌ علينا إذا كانتْ سواعدُنـــــــــَا
قد مسَّها اليأسُ فلنقطـعْ أيادينــــــَا
يا عاشقَ الأرْض كيفَ النيل تهجُرهُ؟
لا شىءَ والله غيرُ النيل يغنينـــَـا..
أعطاكَ عُمْرا جميلا ًعشتَ تذكـــرهُ
حتى أتى النفط بالدُّولار يغـْرينـــــَا
عودوا إلى مصْرَ..غوصُوا فى شواطئهَا
فالنيلُ أولى بنا نـُعطيه..يُعْطينــَـا
فكسْرة ُ الخـُــبْـز بالإخلاص تشبعُنـا
وَقطـْرة ُ الماءِ بالإيمَــــان ترْوينـَـا
عُودُوا إلى النـِّيل عُودُوا كىْ نطهِّـرَهُ
إنْ نقتسِمْ خـُبزهُ بالعدْل..يكـْفيــنـَا
عُودوا إلى مِصْرَ صَدْرُ الأمِّ يعــرفـُنــــــا
مَهْمَا هَجَرناهٌ..فى شوْقٍ يلاقينــَــا
قصيدة "عودوا إلى مصر" سنة 1997
[email protected]لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة رابط دائم: