تلك الحكمة البليغة التى جاءت على لسان أحد أبطال مسرحية "تاجر البندقية" لويليام شكسبير، تصلح لأن نرددها فى مواقف كثيرة جدا، نمر بها على مدار اليوم، بل تقريبا كل يوم، و المحصلة أننا يجب ألا ننخدع فى المظهر على حساب الجوهر.
المحك فى خبرات وتجارب كثيرة مرت بنا، منها تعلمنا، وبها أضفنا رصيدا نستفيد به وقت الحاجة، فالثابت أننا فى خضم أزمة طاحنة، يشكو منها الكبير والصغير، ليست فى مصر ولكنها أزمة تشكو منها بلدان العالم، جعلت الفيدرالى الأمريكى يرفع معدل الفائدة عدة مرات هذا العام، لمعالجة آثار التضخم. وهو ما جر خلفه رفع معدلات الفائدة فى كثير من دول العالم، أيضا لمعالجة آثار التضخم، لكننا فى مصر دائما نمثل حالة خاصة جدا، فالأسعار تزيد بالشائعات، فأول ما تصدر شائعة عن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، تعقبها زيادات متفاوتة فى عدد من السلع، قد تكون السيارات، هى السلعة المعبرة بشكل تام عن تلك النظرية، فأسعارها أخذت تتزايد بشكل غير مبرر يوما بعد يوم. حتى جاء توكيل إحدي السيارات الفاخرة، وكشف المستور، وتبين للناس، أن زيادات أسعار السيارات الأقل فى القيمة السوقية مبالغ فيها بدرجة جنونية، وأكد أن رفع أسعار السيارات بتلك الدرجة يؤكد مقولة ويليام شكسبير "ليس كل ما يلمع ذهبا" ، فسعر السيارات ليس حقيقيا، ولا يعبر عن قيمتها السليمة.
المثال السابق، تم طرحه بغرض التوضيح لما يحدث فى الأسواق، وينخدع به الناس، فعدد كبير من السلع تمت زيادة قيمتها على نحو مطرد، لا لشىء، سوى لغرض فى نفس التاجر، ويقدم من خلاله تفسيرا، ثم يأخذ يردده، حتى نسمعه مرارا و تكرارا، فننام و نصحو على تلك المبررات الواهية، وهى عارية من الصدق تماما. التاجر يسعى بقوة ليبرر موقفه الغريب، بأنه يرفع سعر السلعة ليعوض فرق ارتفاع الدولار، رغم أنه فى حالة انخفاضه لن يُخفض ثمن بضاعته بمقدار قرش واحد!. و ذلك يؤكد أن الغرض ليس تعويض فقد الجنيه قيمته السوقية، رغم أن ذلك غير سليم، ولكن الهدف تحقيق أرباح بأى قدر و أى شكل، فالهدف الرئيسى، زيادة المكاسب دائما.
معلوم أن يشترى التاجر بضاعة برقم مالى معين، وأعى أن يحقق من ورائها ربحا، يغطى نفقات التشغيل، ويزيد ليكافئ الجهد المبذول، وهذا سياق طبيعى لشئون التجارة، لكن أن تكون البضاعة موجودة بالمخازن، ثم يتم رفع سعرها يوما بعد يوم، تحت زعم رفع سعر الدولار، فهذا مؤداه تحويل التجار لمصاصى دماء، يعيشون على قوت البسطاء، ممن لا حول ولا قوة لهم. منذ يومين شكيا لى أحد المقربين، أنه يشترى أحد أنواع الألبان المستوردة، فوجد أن سعرها زاد بمقدار 15% تقريبا عن المرة السابقة، للشراء، وكانت منذ 10 أيام تقريبا، و كانت تلك هى المرة الخامسة للزيادة، ليصبح سعر المنتج أكبر من سعره فى مايو الماضى بنسبة 140%، فقلت للرجل، قد يكون بسبب استيراده وزيادة السعر، فكانت الإجابة الصادمة، أن تاريخ إنتاج اللبن منذ ما يقرب من عام تقريبا، وذلك يعنى أنه موجود لدى التاجر منذ شهور، وتلك الزيادة بسبب الارتفاع المتوالى لسعر الدولار!! . أُضيف للمثل السابق، أمثلة أخرى كثيرة من بينها إطارات السيارات، التى زادت أسعارها أضعاف سعرها عن بداية العام، ولنفس السبب تقريبا، وكذلك سلع كثيرة مرتبطة بالسيارات، مثل قطع الغيار، أضحينا فى غابة، يأكل القوى فيها الضعيف، وذهبت القيم الإنسانية النبيلة إلى منحدر سحيق، الغالبية تدعم سقوطها، وتدافع عن قيم جديدة، ترسخ لفكرة العرض و الطلب، أضف إليها العبارة القاسية التالية "من لا يملك لا يشترى"، قد تصلح تلك العبارة فى عدد من السلع، ولكن هناك عددًا آخر لا يمكن تطبيقها عليه.
هناك مئات السلع التى دخلت الأراضى المصرية قبل ارتفاع سعر الدولار، تعلمها الدولة بشكل واضح طبقا لما لديها من مستندات، آن الأوان لنعرف عنها كل شيء، بدءا من سعر دخولها، وما تم دفعه من جمارك عليها، حال دفعها. لقد تحركت الدولة تحركاً محمودا، تجاه سلعة إستراتيجية مثل الأرز، ونجحت فى توفيرها، وأصبحنا فى حاجة ملحة لكشف ملابسات زيادات الأسعار غير المنطقية، من خلال تعريف الناس، بأى من السلع دخلت للبلاد، أين ومتى، و ذلك فى إطار الشفافية التى نطالب بها جميعا. أعتقد أننا أنجزنا فى مجال البنية الرقمية، إنجازات مبهرة، فلدى الدولة بيانات وافية عن مواطنيها، تلك البيانات مكنتها من تقنين الدعم، ووصوله لمستحقيه.
إننا نستحق أن نعلم بشكل شفاف، جميع البيانات المطلوبة عن كميات السلع الموجودة بالأسواق، نوعياتها، وفئاتها، والمخزون الإستراتيجى، مثلما نفعل ذلك مع سلع أخرى مثل القمح.أجد أننا لا نعيش بالقمح، والشاى والسكر والزيت وفقط، ولكن بسلع كثيرة أخرى لا تقل أهمية عنها، يحتاج المواطن لمعرفة كل ما يتعلق بها، بقدر احتياجه للسلع السابقة، وهنا لا أعدد السلع ذات الأهمية الكبيرة، ولكن أتحدث عن وضع نظام شفاف وواضح، يتيح للمستهلك معرفة كل ما يدور حول السلع التى يحتاجها. وأضعف الإيمان أن نقلل تماما من عمليات الشراء، وألا يكون إلا للضرورة فقط، حتى لا نسمح للمسعورين بتحقيق ما يبغونه. عزيزى القارئ، ليس كل ما يلمع ذهبا، فلا تخدعك المظاهر، وتضع أموالك فيما لا يستحق، فقد يختفى البريق، وتكتشف أنه لم يكن بريق الذهب.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: