يصادف يوم السبت القادم مرور عام على الموعد الذى كان مقررا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ليبيا. كان المجتمع الدولى يأمل أن تتم العملية الانتخابية فى موعدها لتشكل بذلك بارقة امل لإخراج ليبيا من دوامة الصراع، لكن مع تعذر انعقاد الانتخابات تعقدت الأزمة أكثر لتصل الى انقسام سياسى حاد من جديد وجمود فى العملية السياسية.
منذ عام، تشهد ليبيا أزمة سياسية تتمثل فى صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب الليبى برئاسة فتحى باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية، المنتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، المسيطر الفعلى على زمام الأمور سياسيا وماليا، خاصة مع إحكام قبضته على المصرف المركزي، متجاهلا الأصوات الرافضة استمراره فى منصبه داخل ليبيا وخارجها. يستفيد الدبيبة من مواصلة دعم الدول الغربية الفاعلة، وعدم رغبتها فى سحب اعترافها بحكومته كون ذلك يتماشى مع مصالحها وباعتبار أن أى توتر عسكرى بين أنصار الحكومتين المتنافستين سيؤدى لوقف تدفق النفط من ليبيا. لهذا السبب تتغاضى هذه الدول عن ممارسات الدبيبة السلبية المتعلقة بشبهات الفساد واتخاذ قرارات فردية تتجاوز صلاحيات حكومته.
يستفيد الدبيبة، أيضا، من غياب البديل لحكومته، خاصة مع تراجع أسهم فتحى باشاغا وعدم قبول الدول الغربية، هذا الاخير باعتباره سيقوى شوكة الأطراف الداعمة له. وقد قام الدبيبة باستغلال سلطاته والموارد المالية لشراء ولاءات الميليشيات والأطراف الداعمة له لضمان عدم نجاح اى مساع لازاحته من منصبة بالقوة، بل وحتى منع أى محاولات للتوصل لتوافق بين مجلس النواب والأعلى لاختيار حكومة جديدة. وقد أسهمت واقعة قيام تشكيلات عسكرية محسوبة على الدبيبة بمحاصرة مقر المجلس الأعلى للدولة ومنع اعضائه من الاجتماع، قبل شهر تقريبا، بزيادة الشقاق فى الغرب الليبى بين مجلس الدولة والحكومة المنتهية الولاية.
يبدو هناك غياب للأفق السياسى للحل فى ليبيا فى ظل عدم وجود إطار زمنى لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، واستمرار الخلافات بين مجلسى النواب والأعلى للدولة لاسيما حول القاعدة الدستورية التى يمكن على أساسها الدعوة للانتخابات. والوضع يبدو اكثر تعقيدا مع تزايد الشكوك والتساؤلات حول قدرة المبعوث الاممى الجديد، عبدالله باتيلي، على حلحلة الأزمة وفيما اذا كان يمتلك خطة لاختراقها.
تبدو مهمة باتيلى صعبة فى ظل عدم تجاوب المؤسسات الليبية المختلفة مع دعوته للدخول فى حوار، وتسريع جهودها لإيجاد حل للأزمة السياسية، وايضا عدم التجاوب مع دعوته لمجلسى النواب والدولة لاختيار مكان وموعد لعقد اجتماعهما، والخروج بمقترحات ملموسة وقابلة للتنفيذ، ومؤطرة زمنيا، ما دعاه الى إعادة تنشيط هذه الدعوة من خلال ترحيبه بدعوة شبيهة أطلقها المجلس الرئاسى فى طرابلس. صعوبة مهمة المبعوث الاممى تجلت اكثر فى الرد على دعوته للدخول فى حوار بتفجير أزمة جديدة بين مجلسى النواب والدولة وصلت إلى حد تعليق التواصل بينهما، على خلفية رفض مجلس الدولة إصدار البرلمان قانونا لإنشاء محكمة دستورية، وسط مخاوف سياسيين فى غرب البلاد من مغبة إقحام السلطة القضائية فى معترك السياسة.
يمثل هذا التصعيد من الجانبين منعطفا جديدا فى الازمة الليبية، حيث بدأ انقسام المؤسسات الليبية ينتقل الى السلطات القضائية. وفى الوقت الذى يوضح فيه مجلس النواب ان قانون المحكمة الدستورية العليا يحقق العدالة ويؤكد حماية الحريات والحقوق واضافة قضاء متخصص فى الشأن الدستوري، يؤكد رئيس المجلس الاعلى للدولة ان قانون انشاء المحكمة الدستورية لا يدخل ضمن الصلاحيات التشريعية، بل هو شأن دستوري، وان إقرار مجلس النواب لهذا القانون يعد اجراء مزعزعا للثقة التى يحاول المجلسان بناءها ويهدم الجهود المشتركة فى التوصل الى توافق حول المسار الدستورى ويعمق الانقسام المؤسسى فى البلاد. فى جميع الحالات، حتى ولو تم افتراض إمكانية انشاء محكمة دستورية، فإن هذه المحكمة ستتناول افعالا وتشريعات لازمة للفترة الانتقالية، وبالتالى فإقرار القانون المنظم لها يندرج تحت المادة 23 الفقرة 1 من الاتفاق السياسى الليبي، ما يعنى انه سيكون اختصاصا مشتركا بين مجلسى النواب والاعلى للدولة.
على كل، يبدو أن بعض الفرقاء الليبيين مصر على تعطيل كل الجهود للتوصل الى توافق حول المسار الدستوري. ويبقى تفادى تقسيم ليبيا والتسريع بإيجاد حل سياسى فى يد هؤلاء الفرقاء الذين عليهم تنحية خلافاتهم والالتزام باستكمال جميع الاستحقاقات المطلوبة. وهذا لن يتم بدون إنهاء التدخلات الخارجية واحترام السيادة الوطنية، ووجود إرادة داخلية ودولية حقيقية لدعم الشعب الليبى.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: