من منا كان يعتقد أنه سيأتى يوم يتأهل فيه فريق عربى لنصف نهائى كأس العالم لكرة القدم؟ لعل الحلم كان بعيد المنال الى أن جعله المنتخب المغربى، القادم من الظل، حقيقة نعيشها ونستمتع بلحظاتها ونشوة انتصاراتها من المحيط الى الخليج.
قليلون من كانوا يراهنون على تجاوز المنتخب المغربى دور المجموعات، والقلة من توقع نجاح المدرب، وليد الركراكى، فى قيادة المنتخب المغربى للدور الثانى، بسبب حداثة إشرافه على تدريب أسود الأطلس، إذ تم التعاقد معه منذ 3 أشهر فقط قبل انطلاق المونديال. ومع ذلك، فقد استطاع اسود الاطلس، تحت اشراف مدربهم الشاب، ان يخلق المفاجأة وان ينتصر لنفسه، بعدما خلق مصاعب لكل الفرق التى واجهها وأوقف حلم وصولها الى النهائيات، وعلى رأسها فرق بلجيكا، اسبانيا والبرتغال.
استطاع المدرب المغربى، فى وقت قصير، إنهاء الخلافات بين اللاعبين. واستطاع، بفضل ايمانه بألا شيء مستحيل وايمانه بقدرات عناصر فريقه، ان يبنى علاقة ثقة وحب معهم وفيما بينهم، وان يزرع فى قلوبهم حلم الفوز بترديد عبارته الشهيرة: "ديروا النية". وهو يعنى بذلك آمنوا بقدرة الله، أولا، على كل شيء، وثقوا فى أنفسكم وقوتكم. وهو ما كان وما عبرت عنه قتالية اللاعبين داخل المستطيل الأخضر، ملتزمين بالنهج التكتيكى للمدرب، مما مكنهم من تحقيق انتصارات تاريخية وإسعاد الملايين من الجماهير المغربية والعربية والافريقية، التى اصطفت جميعها خلف فريق ترى انه كسر حاجز الخوف وحاجز المستحيل، وفتح لغيره باب الامل لتحقيق إنجازات، ليس فقط فى الرياضة، ولكن فى كل المجالات.
من عناصر نجاح الفريق المغربى، أيضا، هو اعتماده على طاقم تقنى متجانس ومتكامل. يتعلق الامر بكل من رشيد بن محمود صاحب الخبرة الطويلة فى أطقم المنتخبات الوطنية، وغريب أمزين المدرب المساعد واللاعب السابق بصفوف المنتخب، ومحلل الفيديو المغربى موسى الحبشي. أيضا تمت الاستعانة بخبرة هاريسون كنغستون محلل الأداء بتقنية data وواحد من عناصر نجاح ليفربول الإنجليزى، ويشغل حاليا مهمة مدير قسم التحليل التقنى والأداء بالإدارة التقنية الوطنية بطاقم المنتخب المغربي.
نجح الركراكى فى فهم عقلية مكونات الكرة المغربية من جماهير وإعلام ومسئولين، واستطاع التعامل معها باحترافية شديدة، مما جعل الجميع يقتنع بأفكاره واختياراته. كما كشف عن إمكانات عالية فى التواصل، سواء مع اللاعبين والطاقم التقنى أو مع الرأى العام والصحافة من خلال الندوات الصحفية الوطنية والدولية. اما داخل الملعب، فيعتمد فكر المدرب على تحقيق النتائج بغض النظر عن طريقة الأداء. وهو يبحث فى كل مباراة عن الطريقة الأمثل لتحقيق الفوز.
بالتأكيد، نية المدرب وخبراته لا تصنع وحدها الفوز، لكن من يترجم ذلك، على أرضية الملعب، هم اللاعبون الذين قدموا نموذجا رائعا للعب الجماعى والدفاع الصلب والمهارات الفردية والتفانى من أجل إسعاد الجماهير وإعلاء راية الوطن. من نقاط قوة هذا الفريق أن معظم لاعبيه محترفون فى الدوريات الأوروبية. ومن اصل 26 لاعبا، يضم المنتخب المغربى 14 ولدوا خارج أرض المملكة، لكنهم، وفق تصريحاتهم، استفتوا قلبهم، واختاروا حمل قميص وطنهم الأم.
لا يمكن ان نتحدث عن عناصر النجاح دون ان نتوقف مطولا عند اللاعب رقم 12، وهو الجمهور المغربى الذى زحف بكثافة غير مسبوقة لمؤازرة فريقه وتشجيعه، مجددا الروح الوطنية والانتصار للعلم المغربي. وقد حصل أسود الأطلسى على دعم مماثل من مشجعى كرة القدم الحاضرين فى قطر من مختلف الجنسيات العربية، هذا بالإضافة الى الجماهير المرابضة فى المغرب وفى كل ارجاء وطننا العربى خلف الشاشات. ويرى الجميع أن فوز المغرب ووصوله لنصف النهائى، ولمَ لا النهائى، هو بمثابة فوز لأمتنا العربية وقارتنا الافريقية.
اذا كانت قطر قد حرصت، فى إطار تنظيمها لهذه البطولة، على اضفاء طابع حضارى وثقافى يراعى خصوصيتنا، فقد قدم لاعبو الفريق المغربى دروسا أخلاقية، وأعادوا الاعتبار، بتلقائية شديدة، لقيم التضامن والإخلاص فى العمل، ومؤسسة الاسرة والبر بالوالدين. وقد شاهدنا أمهات اللاعبين يساندن الفريق ويتشاركن فرحة الفوز مع أبنائهن، ولمَ لا والام هى الداعم الأول وهى رمز العطاء والتضحية. ونحن شعب يؤمن ببركة رضا الوالدين، ونرى فى احترام كبارنا وتقبيل أيديهم او جبينهم تعبيرا عفويا عن الاحترام.
انتصر الفريق المغربى، وانتصرت معه القيم والاخلاق والإنسانية والافتخار بالأصل والروح الوطنية والوحدة العربية. أتمنى أن نستغل هذا الزخم والاستفادة من هذه التجربة لتحقيق نجاحات مماثلة فى كل المجالات.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: