رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تطوير التعليم .. يبدأ من هنا ـ 2

عطفا على المقال السابق، نواصل اليوم إلقاء الضوء على منظومة التعليم فى مصر، هل نجحت، أو تعطل نجاحها و لماذا؟ فالبيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء منذ ثلاثة أشهر تقريبا، تفيد بأن نسبة الأمية فى مصر تقارب الـ 17.2 تقريبا، وللحقيقة تلك النسبة هى أفضل نسب الأمية تقريبا لمصر حتى الآن، ولكن عدد الأميين ليس الأفضل، نظرا لزيادة عدد السكان عن ذى قبل، وذلك يعنى أن الجهود المبذولة لمحو الأمية، يقابلها تسريب للمتعلمين من سنوات الدراسة، وغالبا السنوات الأولى، ولم نفعل شيئا إيجابيا عمليا يمنع تسرب التلاميذ من الدراسة. وبشكل أكثر وضوحا، لم يتم التعامل مع أسباب تسرب التلاميذ من التعليم، والأسباب ليست بخافية، جزء منها يتعلق بهروب الأبناء من المدرسة، للالتحاق بالعمل لمساعدة الأسرة، ويكاد يكون ذلك هو السبب الأكثر شيوعا، ولوجاً لأسباب أخرى، تتضمن عدم اهتمام الأسرة بفكرة التعليم، ومن ثم ترك الأبناء لمواجهة مصير معتم، مع تفشى أفكار غير جيدة من عينة " أن التعليم لا يصنع شيئا لصاحبه" وأن عددا من الفاشلين حققوا نجاحات فى أعمالهم التى لا تحتاج لتعليم جيد!

تلك الأفكار المتعلقة بتقزيم جدوى التعليم، أفكار قاتلة لكل نبت وغرس، إذا تم وضعه فى تربة صالحة، قد يؤتى ثمارا يافعة، من شأنها أن تصنع مستقبلاً واعدا بكل تأكيد، إلا أن الصورة الذهنية لدى تلك الأُسر التى لا تهتم بفكرة التعليم على الإطلاق، باعتباره معطلا لطاقات الإنتاج التى يجب وضعها فى مكان أفضل يدر دخلا! رغم أن هناك نماذج مغايرة صنعت فارقا تاريخيا، سيظل خالداً أبد الدهر، منها، العالم الكبير د. أحمد زويل، ابن الأسرة البسيطة، والذى جاهد بكل قوته، وسط ظروف لم تكن سهلة، مع دعم أسرى بديع، حقق مراده، وللحقيقة نملك من الخامات البشرية ما يمكنا أن نجد عشرات بل مئات من أمثال العالم الراحل، ولكن كل ما نحتاجه، تهيئة البيئة المناسبة لهم.

وإذا بدأنا فى طرح النماذج الإيجابية لمصريين نحتوا الصخر بسواعدهم، وصنعوا مجدا يصل لعنان السماء، قد نحتاج لمساحات كبيرة جدا جدا، ولكن الأهم هو التهيئة النفسية للمجتمع المصرى بكل طبقاته، خاصة الأبسط بجدوى التعليم وبأهميته، وزد على ذلك التعريف بقيمة و قامة المتعلم، لأننا دون ذلك سنظل نحارب ونبذل جهودا مضنية فى محو الأمية، دون أن نمنعها من الأساس، فنجاح منع التسرب من التعليم، مؤداه أننا نسير فى الطريق الصحيح لمنظومة تعليمية جديرة بكل التقدير على جميع المستويات محلية ودولية. أما قبل ذلك فالجهود ليست ناجزة و غير مؤثرة!. يجب أن يكون التعلم هدفا قوميا، يسعى الجميع لتحقيقه، مواطنين ومسئولين، ووضعه موضع الحياة، وفقده، موضع الموت، لأن دون اقتناع الأسرة بتعليم أبنائها، سنكون مثل الطائرة التى تطير بجناح واحد، فإذا نجحت فى الطيران، نجحنا أيضا فى هدفنا!.

التعليم، صنع مجد دول كثيرة، مثل كوريا الجنوبية، التى بدأت مسيرة نهضتها فى ستينيات القرن الماضى، فقد كانت شبه دولة، و لم يكن حاضرها ينبئ بشيء إيجابى على الإطلاق، وكان أفضل المتفائلين لا يتوقع لها تقدما على المدى المنظور. إلا أن الشعب قرر أن ينهض، وكانت البداية بالتعليم، ومن دخل للفرد يبلغ وقتها تقريبا 82 دولاراً إلى أكثر من 27 ألف دولار الآن، وتلك نقلة نوعية ضخمة جدا، جعلت كوريا الجنوبية إحدى كبرى الدول الصناعية فى العالم، و ليس الأمر خاص بكوريا الجنوبية فقط، ولكنه خاص بدول أخرى كثيرة، ذات موارد محدودة، ولكنها وضعت التعليم أولوية أولى، لأن من خلاله وبه، تنبت الطموحات وتتحقق الآمال، وعليه تقوم الأسس السليمة للوصول إلى النجاحات. وبدونه لن يتحقق لأى أمة ولا لأى فرد، هدف مهما بلغ حجمه صغيرا، فالتعليم لم يعد كالماء و الهواء كما قال عميد الأدب العربى، بل أصبح كالحياة والموت، المتعلم حى يعيش حيوات الأحياء، والجاهل كالميت حى ولكنه كالأموات، لا ناقة له ولاجمل. لسنا فى حاجة إلى خبراء يخططون لنا ماذا نفعل، وكيف، ولكننا فى حاجة إلى تكاتف شعبى مخلص وبناء، يضع مستقبل أمته صوب عينيه، فبالنهوض بالتعليم، يمكن لنا تبوؤ مكانات كبيرة، بل والتفوق على كثير من الآخرين، حققوا نجاحات كبيرة جدا، من خلال اعتبار التعليم الهدف الأول والأسمى.يجب الإعداد لصورة ذهنية مغايرة لما ترسخت، حيث كانت تقوم على أن التعليم الغرض منه الحصول على شهادة، حتى أُطلقت فى وقت ما مقولة " بلد شهادات" و تحول التعليم لوسيلة فقط للحصول على الشهادة، دون وجود مضمون لهذه الشهادة، نريد صورة ذهنية تعمل على ربط النجاح والتقدم بمدى ما تم تحصيله من العلم، وبالعلم يمكن تحقيق الغايات، وأيضا يمكن الحصول على أفضل فرص عمل داخل مصر، بل وخارجها أيضا، فالعالم الآن يتجه نحو توظيف الأكثر مهارة وعلما، دون النظر لجنسيته، المعيار هو مدى الكفاءة وجودة العلم، وهى مهارات، لو تم التعامل معها بحرفية واهتمام، ستصبح مصر من الدول المصدرة للكفاءات، وتتحول أزمة السكان إلى نعمة، كل ذلك ببعض التخطيط، بمرور الوقت نستطيع تحقيق طفرات ووثبات لافتة، عل أهم ثمارها القضاء على البطالة، مما سينعكس بكل تأكيد على مستوى دخل الفرد.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: