فى الحدث الكروى الأكبر على مستوى العالم، ورغم الجهود التى بذلتها اول دولة عربية تستضيف هذا الحدث، على مستوى التنظيم، المصنف، الى الآن، الأفضل على الاطلاق، فإن قطر لم تسلم من الانتقادات، بدءا من التشكيك حول كيفية منحها البطولة العالمية، وصولا الى الانتقادات بسبب منعها رفع شعارات المثليين فى بلدها، وعدم سماحها بشرب الكحول داخل المدرجات، مرورا عبر انتقادات سجل قطر الحقوقي وما يقال عن سوء معاملتها للعمال المهاجرين.
قطر قامت فى السنوات الأخيرة بتعديل قوانين العمل وحسنت علاقتها مع منظمة العمل الدولية وغيرها، لكن لا يبدو أن الغرب مهتم بتغيير تصوراته عنها وعن دولنا العربية بصفة عامة. هو لا يريد الاعتراف بما نقوم به من جهود وما نحققه من إنجازات حقوقية، وإنما يركز فقط، على ما يراه مناسبا من وجهة نظره الأحادية، كتوجيه أسهم انتقاداته ضدنا ودفاعه عما يخالف عاداتنا دون الأخذ فى الاعتبار خصوصيتنا الدينية والثقافية والاجتماعية.
من الواضح جدا ان المنتقدين الغربيين يظهرون تحيزا عندما يتعلق الأمر بحقوق الانسان فى أقطارنا العربية، وتحديدا الآن فى قطر التى تتعرض لضغوطات وانتقادات أكثر من المعتاد لاستضافتها كأس العالم، ربما لا لشيء سوى لكونها دولة نفطية صغيرة تمتلك أحلاما كبيرة قاتلت من اجل تحقيقها، ومنها تنظيم كأس العالم. أما الحديث عن وضع حقوق الإنسان، فهو ليس الأسوأ فى قطر، ولا هو الأفضل فى الدول التى تدعى أنها راعية لهذه الحقوق فى العالم. فمن النفاق المستفز أن تنتقد الدول الأوروبية حقوق العمال وحقوق الإنسان فى قطر فى حين أنها لم تتعامل بعد بشكل صحيح مع تاريخها الاستعمارى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتعاملها، الى اليوم، مع قضايا الهجرة واللاجئين والأقليات لا يزال محل نقاش وانتقاد.
كما أن تنظيم قطر لنهائيات كأس العالم ليس وليد اللحظة، فقد أعلنت نتائج التنظيم منذ سنوات، واستغرق بناء الملاعب والفنادق والمرافق وباقى التجهيزات سنوات أيضا، شاركت فيها شركات غربية واكتسبت منها ملايين الدولارات، فأين كان منتقدو اليوم، ولماذا لم يمنعوا شركات بلدانهم فى الاستثمار فى بلد يعتبرونه رجعيا او يرونه معاديا لحقوق العمال؟ وأين هم هؤلاء المنتقدون وقطر تستثمر المليارات فى بلدانهم فى مجالات مختلفة، بما فى ذلك فى فرق كرة القدم المحلية؟
ليس حديثا باسم قطر، فهى لديها حكومة وشعب وماكينة إعلامية قوية، قادرون جميعا على الدفاع عنها وعن مصالحها واختياراتها، لكن، مثلى مثل كل عربى غيورعلى عروبته، أرفض هذه الازدواجية فى المعايير وهذه النبرة الاستعلائية التى يتعامل بها الغرب مع قطر ومن خلفها معنا كعرب. هم نصبوا أنفسهم مركزا الكون، واعتبروا أنفسهم الأحق بإعطاء الدروس وتنظيم الفعاليات الكبرى، وهم من يستحق ثرواتنا وأموالنا، لكن نحن لا نستحق، ولا قطر تستحق، تنظيم حدث بحجم كأس العالم.
يقولون إنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، وهما بعد عن ذلك.بعض التغطية الإعلامية لكأس العالم الحالية وصلت إلى حد العنصرية، بحيث نشرت مجلة فرنسية رسما كاريكاتوريا لفريق كرة القدم القطرى فى زى إرهابي. أليس هذا حثا على الكراهية وانتهاكا لحقوق الإنسان؟ هناك مفارقة بين مفاهيم حقوق الإنسان العالمية وأساليب بعض دول الغرب التى تدافع عنها وتطبقها بشكل انتقائي. تظهر هذه الازدواجية عندما يضغطون بورقة حقوق الانسان على حكوماتنا، لكن يتم إبطالها عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالحهم وسياساتهم. أحيانا يمارسون هذه الحقوق داخل بلدانهم، ويتجاهلونها فى تعاملهم مع الآخر، ولنا فى وقائع انتهاكات الغرب لحقوق الإنسان فى دولنا أمثلة وحوادث ليس هنا مجال لذكرها وتعدادها.
على العموم، وبعيدا عن المزايدات، ما نريده هو ألا تتحول الرياضة الى ساحة للصراعات السياسية أو الحقوقية. فليس سليما الزج بالسياسة فى ملاعب الكرة، أو تحميل اللاعبين مسئولية إيصال رسائل احتجاجية، أو مطالبتهم بارتداء هذه الشارة أو تلك، واذا هم فعلوا ذلك فهم مدافعون عن حقوق الإنسان وان لم يفعلوا فهم ضدها. هى بطولة كروية، دور الفرق واللاعبين ان يقدمو العبة جيدة ويمثلون بلدانهم بشكل مشرف. ودور الجمهور ان يستمتع بالمباريات دون حمولة سياسية. وكما جاء فى بيان الفيفا، يجب احترام جميع الآراء والمعتقدات، من دون إعطاء دروس أخلاقية، فواحدة من نقاط قوة هذا العالم هى التنوع الذى يجب ان نحترمه ونحترم اختلافاتنا.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: