فى خضم المتابعات اللاهثة لمباريات كأس العالم الجارية فى الدوحة، التى لم تسلم من محاولات البعض دس السياسة أو الأفكار الهدامة فى كرة القدم، أو إعادة إنتاج موروثات عنصرية معادية للعرب تشكك فى روعة التنظيم والاستضافة، تخيلت للحظة الموقف الذى كان سيتخذه كبار العالم (كرويا) حال استضافة موسكو هذه النسخة من المونديال فى ظل المقاطعة الدولية للفرق والمنتخبات الروسية على خلفية الحرب الأوكرانية.
منذ أن عرفت البشرية أول مونديال للكرة عام 1930 لم يسلم الأمر من محاولات التوظيف السياسى الوطنى أو الردىء لكرة القدم، فمثلما مهدت تنس الطاولة لشهر عسل مؤقت بين أمريكا والصين فى سبعينيات القرن الماضى،تمثل المصافحات والمواقف الإيجابية بين الزعماء فى حفلات افتتاح واختتام دورات كأس العالم جانبا مضيئا يعكس قدرة كرة القدم على جمع من فرقتهم السياسة.
نتذكر أيضا استغلال بعض الأنظمة السياسية فى العالم خلال حقب سابقة لكأس العالم لتثبيت أركان حكمهم واجتذاب الشعبية،ويحضرنى هنا مثلا استغلال الحكومة الأرجنتينية إبان كأس العالم 1986 للانتصار الذى حققه منتخبها على نظيره الإنجليزى لتسويق الأمر لدى شعب الأرجنتين الشغوف بكرة القدم على أنه تعويض إلهى عن الهزيمة العسكرية فى حرب فوكلاند!
وترفع المؤسسات الرياضية الدولية شعارا ملائكيا أن (الرياضة لا تذوب فى السياسة) لكنها على العكس من ذلك تحظر مشاركة الفرق الروسية فى المسابقات بسبب الحرب الأوكرانية، وبنفس النهج المتناقض تعلق نشاط الاتحادات الوطنية فى حالة تدخل الحكومات بالرياضة، وبنفس الازدواجية يتم توقيع عقوبات على لاعبين عرب رفضوا لقاء منافسين إسرائيليين.
الواقع والتاريخ يؤكدان أن العلاقة بين السياسة وكرة القدم ستظل قابلة للجدال بين من يؤكد تداخلهما معا ومن ينكر هذه الحميمية، لكن تظل الحقيقة الناصعة أنه ما من ظاهرتين يتقاطع معهما الانتماء إلى الوطن والمصلحة الوطنية، مثل كرة القدم والسياسة.
[email protected]لمزيد من مقالات شريف عابدين رابط دائم: